الحمد لله.
روى ابن أبي شيبة في " المصنف "(2452) ، والبيهقي في "المعرفة" (2/ 428) ، والطحاوي في "شرح معاني الآثار" (1/225) من طريق أبي بَكْرِ بْن عَيَّاشٍ عَنْ حُصَيْنٍ ، عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ: " مَا رَأَيْتُ ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ مَا يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ " .
وهذا الأثر ظاهره الصحة ،
إلا أنه معلول بعلتين :
أولا : أنه خلاف الثابت عن ابن عمر رضي الله عنه مرفوعا وموقوفا ؛ فقد روى البخاري
(739) عَنْ نَافِعٍ : " أَنَّ ابْنَ عُمَرَ، كَانَ إِذَا دَخَلَ فِي الصَّلاَةِ
كَبَّرَ وَرَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا رَكَعَ رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَالَ:
سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَفَعَ يَدَيْهِ ، وَإِذَا قَامَ مِنَ
الرَّكْعَتَيْنِ رَفَعَ يَدَيْهِ "، وَرَفَعَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ إِلَى نَبِيِّ
اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وروى البخاري (735) ، ومسلم (390) عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما : " أَنَّ
رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ
مَنْكِبَيْهِ إِذَا افْتَتَحَ الصَّلاةَ ، وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ ، وَإِذَا
رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ رَفَعَهُمَا كَذَلِكَ " .
انظر جواب السؤال رقم : (21439) .
ثانيا :
أنه مما تفرد به أبو بكر بن عياش ، وهو متكلم فيه ، وكان يخطئ ويخالف ، قال الإمام
أحمد : ثقة ربما غلط ، وقال عثمان الدارمي : ليس بذاك في الحديث ، وقال ابن حبان :
كان يحيى القطان وعلي بن المديني يسيئان الرأي فيه، وذلك أنه لما كبر ساء حفظه ،
فكان يهم إذا روى ، وقال العجلي: كان ثقة قديما ، صاحب سنة وعبادة ، وكان يخطئ بعض
الخطأ ، وقال ابن سعد : كان ثقة صدوقا عارفا بالحديث والعلم ، إلا أنه كثير الغلط.
وقال الحاكم أبو أحمد: ليس بالحافظ عندهم. وقال يعقوب بن شيبة: في حديثه اضطراب،
وقال الساجي: صدوق يهم ، وقال أبو نعيم: لم يكن في شيوخنا أحد أكثر غلطا منه ، وقال
البزار: لم يكن بالحافظ .
"تهذيب التهذيب" (12 /32-33) .
وقد خولف أبو بكر بن عياش في
هذا الحديث ، وحكم العلماء عليه بالغلط فيه ، منهم الإمام البخاري ، الذي روى له في
الصحيح واحتج به .
قال البيهقي رحمه الله عقب روايته لهذا الأثر :
" وَقَدْ تَكَلَّمَ فِي حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ - يعني هذا الحديث -
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنَ الْحُفَّاظِ، مِمَّا
لَوْ عَلِمَهُ الْمُحْتَجُّ بِهِ لَمْ يَحْتَجَّ بِهِ عَلَى الثَّابِتِ عَنْ
غَيْرِهِ .
ثم روى عن البخاري قال : " وَالَّذِي قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ
حُصَيْنٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ فِي ذَلِكَ ، قَدْ خُولِفَ فِيهِ عَنْ
مُجَاهِدٍ :
قَالَ وَكِيعٌ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ صُبَيْحٍ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا يَرْفَعُ
يَدَيْهِ .
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، عَنِ الرَّبِيعِ: رَأَيْتُ مُجَاهِدًا
يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنَ الرُّكُوعِ.
وَقَالَ جَرِيرٌ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، أَنَّهُ كَانَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ .
هَذَا أَحْفَظُ عِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ.
قَالَ: وَقَالَ صَدُقَةُ: إِنَّ الَّذِي رَوَى حَدِيثَ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ لَمْ
يَرْفَعْ يَدَيْهِ إِلَّا فِي أَوَّلِ التَّكْبِيرَةِ، كَانَ صَاحِبُهُ قَدْ
تَغَيَّرَ بِأَخَرَةٍ، يُرِيدُ أَبَا بَكْرِ بْنَ عَيَّاشٍ .
قَالَ الْبُخَارِيُّ:
وَالَّذِي رَوَاهُ الرَّبِيعُ وَلَيْثٌ أَوْلَى، مَعَ رِوَايَةِ طَاوُسٍ،
وَسَالِمٍ، وَنَافِعٍ، وَأَبِي الزُّبَيْرِ، وَمُحَارِبِ بْنِ دِثَارٍ،
وَغَيْرِهِمْ، قَالُوا: رَأَيْنَا ابْنَ عُمَرَ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إِذَا كَبَّرَ،
وَإِذَا رَكَعَ، وَإِذَا رَفَعَ .
قال البيهقي : وَهَذَا الْحَدِيثُ فِي الْقَدِيمِ كَانَ يَرْوِيهِ أَبُو بَكْرِ
بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ حُصَيْنٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ مُرْسَلًا.
مَوْقُوفًا، ثُمَّ اخْتَلَطَ عَلَيْهِ حِينَ سَاءَ حِفْظُهُ، فَرَوَى مَا قَدْ
خُولِفَ فِيهِ " انتهى .
وقال الحافظ ابن حجر رحمه
الله :
" أَمَّا الْحَنَفِيَّةُ : فَعَوَّلُوا عَلَى رِوَايَةِ مُجَاهِدٍ : أَنه صلى خلف
ابن عُمَرَ ، فَلَمْ يَرَهُ يَفْعَلُ ذَلِكَ .
وَأُجِيبُوا : بِالطَّعْنِ فِي إِسْنَادِهِ ، لِأَنَّ أَبَا بَكْرِ بْنِ عَيَّاشٍ
رَاوِيَهُ سَاءَ حِفْظُهُ بِآخِرِهِ ، وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ : فَقَدْ
أَثْبَتَ ذَلِكَ سَالِمٌ وَنَافِعٌ وَغَيْرُهُمَا عَنْهُ ، وَالْعَدَدُ الْكَثِيرُ
أولى من وَاحِد ، لَا سِيمَا وَهْمْ مُثْبِتُونَ وَهُوَ نَافٍ ...
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِهِ : مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي جُزْء رفع
الْيَدَيْنِ ، عَن مَالك : أَن ابن عُمَرَ كَانَ إِذَا رَأَى رَجُلًا لَا يَرْفَعُ
يَدَيْهِ إِذا ركع وَإِذا رفع : رَمَاه بالحصا " انتهىمن "فتح الباري "(2/220) .
تعليق