الحمد لله.
أولا :
لا يحل للزوجة أن تسأل زوجها طلاق ضرتها ، أو توغر صدره عليها ، لتنفرد به دونها ، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( لَا يَحِلُّ لِامْرَأَةٍ تَسْأَلُ طَلَاقَ أُخْتِهَا لِتَسْتَفْرِغَ صَحْفَتَهَا [أي : لتنفرد هي بالزوج] فَإِنَّمَا لَهَا مَا قُدِّرَ لَهَا ) رواه البخاري ( 4857 ) ، ومسلم ( 1413 ) .
ثانيا :
إذا كانت الحال مستقيمة بين الزوجين فالطلاق في هذه الحالة مكروه كراهة شديدة ، بل
ذهب بعض العلماء إلى تحريمه . قال شيخُ الإسلامِ ابنِ تيمية رحمه الله : " الأصلُ
في الطلاقِ الحظرُ[أي : المنع] ، وإنما أبيحَ منه قدرَ الحاجةِ " انتهى من" مجموع
الفتاوى" (33/81) .
وليس من الحاجة المبيحة للطلاق : أن يطلق الزوج إحدى زوجتيه إرضاء للأخرى .
قال الشيخ ابن جبرين رجمه الله :
" يباح الطلاق للحاجة ، ويكره بلا حاجة ، فإذا كانت الحالة مستقيمة بين الزوجين وكل
منهما يسير سيراً مستقيماً مع الآخر ؛ فإن الطلاق يكون مكروهاً ولو كان حلالاً ،
لأنه يفرق بين الزوجين ، ولأنه قد يفرق بين الأولاد وأحد أبويهم ، ولما فيه من
إضاعتها " .
انتهى من "شرح أخصر المختصرات" (66/ 4) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" الطلاق يترتب عليه تشتت الأسرة ، وضياع المرأة وكسر قلبها ، لا سيما إذا كان معها
أولاد ، أو كانت فقيرة أو ليس لها أحد في البلد ، فإنه يتأكد كراهة طلاقها " .
انتهى من " الشرح الممتع " (13/10) .
ثالثا :
النصيحة التي تقدم إلى الزوج في هذا أنه لا ينبغي أن يهدم أسرة ليحافظ على أخرى .
وليس له أن يرضي زوجته الأولى بالإضرار بزوجته الثانية وأولاده منها ، فإن هذا
الطلاق سوف تتضرر به المرأة وأولادها بلا شك .
نعم ، قد ينصح بعض الرجال بعدم الزواج بأخرى حفاظا على أسرته الأولى ، إن خشي من
حصول مشاكل لا يستطيع حلها وتجاوزها .
لكن الأمر يختلف إذا تزوج فعلا بأخرى ورزق منها أولادا .
والواجب عليه في هذه الحالة أن يبذل كل ما يستطيع من أجل الصلح وحصول الاتفاق .
ولا مانع من أن تتنازلي عن بعض حقوقك عليه من أجل ألا يطلقك ، حفاظا على أسرتك وعلى
أولادك .
ولا يدري أحد ما الذي سيحصل غدا إلا الله تعالى ، فقد يطلق الرجل إحدى زوجتيه إرضاء
للأخرى ، فلا يهنأ مع الأخرى بعيش ، ولا تستقيم الحياة بينهما ، بعد أن بدأت
المشاكل وتغيرت النفوس ، وصار ينظر إليها على أنها فرضت عليه أمرا كان لا يرضاه ،
وأنها فرقت بينه وبين زوجته وأولاده .... إلخ . فيكون قد خسر الأسرتين جميعا .
وينبغي أن يتدخل أهل العقل والحكمة وينصحوا الزوجة الأولى بأن ما تطلبه مخالف للشرع ، وقد نهاها عنه النبي صلى الله عليه وسلم ، ويخشى عليها أن لا تهنأ هي الأخرى في حياتها الزوجية ، عقوبة لها من الله تعالى بسبب اعتدائها على الزوجة الثانية والإضرار بها .
ولتضع نفسها مكان الزوجة
الثانية ، ولتنظر ما الذي كانت ترجوه في هذه الحالة ؟ ولتعامل أختها به :
روى البخاري (13) ، ومسلم (45) عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه ، عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى
اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: ( لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ
لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ ) .
وروى مسلم (1844) عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، رضي الله عنهما ، عن النبي صلى
الله عليه وسلم : ( .. فَمَنْ أَحَبَّ أَنْ يُزَحْزَحَ عَنْ النَّارِ وَيُدْخَلَ
الْجَنَّةَ فَلْتَأْتِهِ مَنِيَّتُهُ وَهُوَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ
الْآخِرِ ، وَلْيَأْتِ إِلَى النَّاسِ الَّذِي يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى إِلَيْهِ ) .
نسأل الله تعالى أن يصلح
أحوالكم وأن يوفقكم لكل خير .
والله تعالى أعلم .
تعليق