الحمد لله.
الذي ينبغي في المقام الأول هو أن يهتم المسلم بعبادته هو لله تعالى وتكميلها ، ثم يكون بعد ذلك نظره لما يتعلق بشأن غيره ، وليس من المقبول في الشرع ، بل ولا في العقل ، أن يقصر في عبادته ليكمل عبادة غيره .
قال الله تعالى : (وَالْعَصْرِ * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) سورة العصر .
فذكر الله تعالى صفات الناجين من الخسران : أنهم أكملوا أنفسهم بالإيمان والعمل الصالح ، ثم سعوا في إكمال غيرهم بالتواصي بالحق والتواصي بالصبر .
قال السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 934) :
" أقسم تعالى بالعصر أن كل إنسان خاسر إلا من اتصف بأربع صفات :
الإيمان بما أمر الله بالإيمان به ..
والعمل الصالح ..
والتواصي بالحق، أي: يوصي بعضهم بعضًا بذلك، ويحثه عليه ، ويرغبه فيه.
والتواصي بالصبر على طاعة الله ، وعن معصية الله ، وعلى أقدار الله المؤلمة .
فبالأمرين الأولين ، يكمل الإنسان نفسه ، وبالأمرين الأخيرين يكمل غيره ، وبتكميل الأمور الأربعة ، يكون الإنسان قد سلم من الخسار، وفاز بالربح العظيم " انتهى.
وقال الإمام الحافظ ابن كثير
رحمه الله ، بعد كلام له :
" وَالْغَرَضُ أَنَّهُ ، عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، قَالَ: " خَيْرُكُمْ
مَنْ تَعَلَّمَ الْقُرْآنَ وَعَلَّمَهُ " وَهَذِهِ مِنْ صِفَاتِ الْمُؤْمِنِينَ
الْمُتَّبِعِينَ لِلرُّسُلِ ، وَهُمُ الكُمل فِي أَنْفُسِهِمُ ، الْمُكَمِّلُونَ
لِغَيْرِهِمْ ، وَذَلِكَ جَمْعٌ بَيْنَ النَّفْعِ الْقَاصِرِ وَالْمُتَعَدِّي ،
وَهَذَا بِخِلَافِ صِفَةِ الْكُفَّارِ الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ لَا يَنْفَعُونَ ،
وَلَا يَتْرُكُونَ أَحَدًا مِمَّنْ أَمْكَنَهُمْ أَنْ يَنْتَفِعَ ، كَمَا قَالَ
تَعَالَى: الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ زِدْنَاهُمْ
عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ [النَّحْلِ: 88] " انتهى من "تفسير ابن كثير" (1/67) .
فلم يثبت لهم مقام الخير ، والتكميل لغيرهم ، إلا بعد سعيهم في تكميل أنفسهم من
أبواب الخير، بحسب الطاقة .
وبناء على هذا ، فالذي يؤمر
به المسلم أولاً : أن يحضر مع الجماعة الأولى في المسجد ، لاسيما والجماعة الأولى
هي التي وردت الأحاديث بالأمر بها والحث عليها وبيان فضلها .
قال الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله :" قول القائل : إنهم إذا صلوا في المسجد ، ولو
بعد الجماعة الأولى ، فإن لهم أجر سبعِ وعشرين درجة: فهذا ليس بصحيح ، فأجر سبعٍ
وعشرين درجة لا يكون إلا في الجماعة الأولى فقط ، أما الثانية: فلا شك أن الصلاة في
جماعة أفضل من الصلاة على وجه الانفراد ، لكن كون الجماعة الثانية تنال أجر الجماعة
الأولى: فهذا ليس بصحيح ، وإلا لكان كل الناس يذهبون إلى المسجد متى شاءوا ، ويصلون
جماعة ويقولون: أخذنا أجر سبع وعشرين درجة ، فهذا لا أعلم أحداً قال به ، أي: أن
الصلاة الثانية كالصلاة الأولى في الحصول على أجر سبع وعشرين درجة ؛ فلا أعلم أحداً
قال بهذا " .
انتهى من " لقاء الباب المفتوح " (44/ 20) بترقيم الشاملة .
وإذا حرص المسلم على أن ينال
المتأخر عن الصلاة الأولى ثواب الجماعة ، ففي إمكانه أن يعود ويصلي معه مرة أخرى ،
وبهذا يكون قد أحسن إليه ، وتصدق عليه ، ولم يضيع على نفسه ثواب الجماعة الأولى
وفضلها .
روى أحمد (11016) ، وأبو داود (574) عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ : " أَنَّ
رَجُلا دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَقَدْ صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ بِأَصْحَابِهِ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( مَنْ يَتَصَدَّقُ عَلَى هَذَا فَيُصَلِّيَ مَعَهُ ؟ ) فَقَامَ رَجُلٌ
مِنْ الْقَوْمِ فَصَلَّى مَعَهُ" وصححه الألباني في "صحيح أبي داود ".
فليحذر العبد الناصح لنفسه من استدراج الشيطان له ، وصرفه بالأمر المفضول ، الذي لم يطالب به ، عن العبادة الفاضلة ، التي أمره الله بها ورسوله ، وتزيين الشيطان له ذلك : بأنه أمر خير ، ونفع للغير .
والله أعلم .
تعليق