الحمد لله.
من السنة للجنب أن ينام على طهارة ، فإن لم يغتسل ، فيستحب له أن يتوضأ ؛ كما أرشد إلى ذلك النبي صلى الله عليه وسلم بقوله وفعله :
عَنِ ابْنِ عُمَرَ : " أَنَّ عُمَرَ بْنَ الخَطَّابِ ، سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيَرْقُدُ أَحَدُنَا وَهُوَ جُنُبٌ ؟ قَالَ : ( نَعَمْ إِذَا تَوَضَّأَ أَحَدُكُمْ ، فَلْيَرْقُدْ وَهُوَ جُنُبٌ ) " رواه البخاري ( 287 )، ورواه مسلم ( 306 ) .
وعَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا أَرَادَ أَنْ يَنَامَ ، وَهُوَ جُنُبٌ ، غَسَلَ فَرْجَهُ ، وَتَوَضَّأَ لِلصَّلاَةِ ) رواه البخاري ( 288 ) ، ورواه مسلم ( 305 ) .
وإذا أراد الوضوء للنوم وهو وجنب وقد لبس الخفين ، فهل يمسح عليها ؟.
ذهب بعض العلماء إلى المنع من ذلك ؛ لأن الرخصة بالمسح على الخفين ، في الوضوء ، مقيدة بعدم الجنابة .
فعن صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ ، قَالَ : " كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْمُرُنَا إِذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيهِنَّ ، إِلَّا مِنْ جَنَابَةٍ ، وَلَكِنْ مِنْ غَائِطٍ وَبَوْلٍ وَنَوْمٍ " رواه الترمذي ( 96 ) وقال : " هذا حديث حسن صحيح " ، ورواه النسائي ( 127 ) ، وحسنه الألباني في " إرواء الغليل " ( 1 / 140 ) .
وقالوا: وضوء الجنب للنوم يدخل في عموم ذلك ؛ فلا يمسح الجنب على الخفين ، سواء أجنب قبل أن يلبسهما ، وهذا ظاهر ، أو بعدما لبسهما على طهارة .
قال ابن عرفة رحمه الله ، في شرحه على "مختصر خليل" : " (وَبَطَلَ) الْمَسْحُ أَيْ حُكْمُهُ أَيْ انْتَهَى حُكْمُهُ (بِغُسْلٍ وَجَبَ) وَإِنْ لَمْ يَغْتَسِلْ بِالْفِعْلِ فَلَا يَمْسَحُ إذَا أَرَادَ الْوُضُوءَ لِلنَّوْمِ وَهُوَ جُنُبٌ ... ".
انتهى من "الشرح الكبير" (1/145) .
وقال العيني رحمه الله : " من أجنب بعد لبس الخف على طهارة كاملة لا يجوز له المسح مطلقاً .." . انتهى من "البناية شرح الهداية" (1/599) .
وقال الزيلعي رحمه الله : " لَا يَجُوزُ لِلْجُنُبِ الْمَسْحُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ أَنَّهُ قَالَ (كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَأْمُرُنَا إذَا كُنَّا سَفَرًا أَنْ لَا نَنْزِعَ خِفَافَنَا ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَلَيَالِيِهِنَّ إلَّا مِنْ جَنَابَةٍ لَكِنْ مِنْ غَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ أَوْ نَوْمٍ)؛ وَلِأَنَّ الرُّخْصَةَ لِلْحَرَجِ فِيمَا يَتَكَرَّرُ وَلَا حَرَجَ فِي الْجَنَابَةِ لِعَدَمِ التَّكْرَارِ وَصُورَةُ مَا يَكُونُ جُنُبًا أَنْ يَلْبَسَ خُفَّيْهِ وَهُوَ عَلَى وُضُوءٍ، ثُمَّ يَجْنُبُ وَهُوَ فِي مُدَّةِ الْمَسْحِ فَإِنَّهُ يَنْزِعُ خُفَّيْهِ وَيَغْسِلُ رِجْلَيْهِ " انتهى من "تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق" (1/46) .
ورخص بعض العلماء للجنب بالوضوء للنوم مع المسح على الخفين ؛ لأن هذا الوضوء ليس للصلاة ، فيخفف فيه .
وأن الوضوء إذا كان مستحباً له أن يمسح ما يجب غسله ، وله أن يقتصر على بعض أعضاء الوضوء.
قال ابن مفلح: " وَتَوَضَّأَ عَلِيٌّ فَمَسَحَ وَجْهَهُ، وَيَدَيْهِ، وَرَأْسَهُ، وَرِجْلَيْهِ وَقَالَ: هَذَا وُضُوءُ مَنْ لَمْ يُحْدِثْ.
وَأَنَّ النبي صلى الله عليه وسلم صنع مِثْلَهُ.
قَالَ شَيْخُنَا-يعني ابن تيمية-: إذَا كَانَ مُسْتَحَبًّا لَهُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى الْبَعْضِ، كَوُضُوءِ ابْنِ عُمَرَ لنومه جنبا، إلا رجليه.
وفي الصحيحين عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَامَ مِنْ اللَّيْلِ فَأَتَى حَاجَتَهُ يَعْنِي الْحَدَثَ، ثُمَّ غَسَلَ وَجْهَهُ وَيَدَيْهِ، ثُمَّ نَامَ.
وَذَكَرَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ أَنَّ هَذَا الْغَسْلَ لِلتَّنْظِيفِ، وَالتَّنْشِيطِ لِلذِّكْرِ وَغَيْرِهِ".
انتهى من "الفروع" (1/187).
وحديث علي الذي أشار إليه ابن مفلح أخرجه أحمد بسند صحيح، عن النزال ابن سبرة قال:
" رأيت علياً رضي الله تعالى عنه صلى الظهر، ثم قعد لحوائج الناس، فلما حضرت العصر أتى بتور من ماء، فأخذ منه كفا، فمسح وجهه وذراعيه، ورأسه ورجليه، ثم أخذ فضله، فشرب قائماً، وقال: إن ناساً يكرهون هذا، وقد رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يفعله، وهذا وضوء من لم يحدث ".
وأما فعل ابن عمر ، فأخرجه مالك في الموطأ، عن نافع : " أن عبد الله بن عمر كان إذا أراد أن ينام أو يطعم وهو جنب ، غسل وجهه ويديه إلى المرفقين ، ومسح برأسه، ثم طعم أو نام.
يتظر: "موسوعة أحكام الطهارة" (9/445).
وقد عرضنا هذا السؤال على شيخنا عبد الرحمن البراك حفظه الله تعالى ، فأجاب بالترخيص له بالمسح على الخفين في هذه الصورة .
والله أعلم .
تعليق