الحمد لله.
الأصل صحة الإمامة من كل مسلم عاقل ، فكُل مَن صحَّت صلاتُهُ لنَفسِهِ صحَّت إمامتُه.
ولكن الأولى تقديم أهل العلم والفضل ، كما قال الإمام أحمد: " ومن الحق الواجب على المسلمين: أن يقدّموا خيارهم ، وأهلَ الدّين والفضل منهم ، وأهل العلم بالله تعالى ، الذين يخافون الله عزّ وجل ويراقبونه " انتهى من "رسالة الصلاة" للإمام أحمد صـ14 .
ولكن إذا دار الأمر بين إمامين ، كلاهما من أهل المعاصي الظاهرة ؛ فالواجب أن يكون مناط التفضيل بينهما ، بالقصد الأول : هو ما يتعلق بتحقيق مقاصد الإمامة ، التي يراعى فيها ما يحقق مصلحة الصلاة :
1- فإن كان أحدهما متقناً
للقدر الواجب من القراءة في الصلاة ، والآخر لا يتقن القراءة ، بل يخل بالقدر
الواجب منها ، فإن المتقن منهما يُقدَّم ، وجوباً .
بل يقدم المتقن العاصي ، على المطيع الذي يخل بقراءة الفاتحة .
قال الشيخ محمد بن إبراهيم : " إذا كان الذي لا يشرب الدخان أُمياً بمرة ، لا يحسن
قراءة الفاتحة وأذكار الصلاة ، ووُجد من يحسن ذلك ، ممن يشربون الدخان ، فحينئذ
يصلي بهم هذا للضرورة ، لعدم وجود من يحسن الفاتحة وغيرها من أذكار الصلاة ".
انتهى من "فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ" (2/295) .
2- وإن كان كلاهما متقناً
للقدر الواجب من القراءة : فإن التفاضل بينهما يكون بحسب ما ورد في السنة .
عنْ أَبِي مَسْعُودٍ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِكِتَابِ اللهِ ، فَإِنْ
كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً : فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ ، فَإِنْ كَانُوا
فِي السُّنَّةِ سَوَاءً : فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً ، فَإِنْ كَانُوا فِي
الْهِجْرَةِ سَوَاءً: فَأَقْدَمُهُمْ سِلْمًا [ وفي رواية : سناً ] " رواه مسلم
(673).
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي : " وعموم قوله صلى الله عليه وسلم : (يؤم القَوْمَ
أَقْرَؤهُم لِكِتَابِ اللَّهِ ...) يتناول : العَدلَ والفَاسِقَ ، والحرُّ
والعَبْدَ ، والكَبِير وَالصَّغِير ، والمسَافِرَ والمقِيمَ".
انتهى من "إرشاد أولى البصائر" (ص: 58) .
قال الشيخ عبد الرحمن السعدي
: " جَمِيع الوِلايَاتِ والتَّقدِيمَاتِ الشَّرعِيَّةِ يُنظَرُ فِيهَا إِلَى مَن
هُوَ أقوَمُ بمقاصِدِ تِلكَ الوِلايَةِ ، وأعظَمُهُم كَفاءَةً وقُدرَةً عَليهَا ،
وَمِنهَا : الإِمَامَةُ .
وقَد فَصَّلَ النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِيهَا الأَمرَ فِي الحَدِيثِ السَّابِقِ
، وجَعَلَ العِلمَ بالكِتَابِ والسُّنَّةِ والدِّين هي أولَى مَا يُقَدَّمُ بِهِ
الإِمَامُ ، فمن جَمَعَ القِرَاءَةَ والعِلمَ والدِّينَ فَهُوَ أَحقُّ بالإِمَامَةِ
... وَهَذَا مُطَّرِدٌ في جَمِيعِ الوِلايَاتِ والوَظَائِفِ الدِّينيَّةِ إذَا
كَانَ المتولَّي لها غَيرَ مُخِلِّ بمقصُودِهَا ، فَلا يُفتَاتُ عَلَيهِ ويُقَدَّمُ
غَيرُه وَلَو أَفضَل مِنهُ " انتهى من "إرشاد أولى البصائر" (ص: 58) .
وينظر جواب السؤال : (134279) .
3- فإن تساويا في القراءة والفقه والهجرة والسن : ففي هذه الحال يكون التفاضل بينهم بحسب الصلاح والطاعة ، فيقدم أحسنهم حالاً ، وأقلهم معصية.
ولا شك أن الحليق غير المدخن
، أحسنُ حالاً ـ من هذه الحيثية ـ من الحليق المدخن .
وأما إذا كان شاربا للدخان فقط ، فيقدم على الحليق ، ولو لم يكن شاربا للدخان .
قال الشيخ ابن عثيمين : "إذا اجتمع حالق لحية وشارب دخان ، واتفقا في الصفات
المقتضية لتقديم أحدهما في الإمامة ، فشارب الدخان أولى بالإمامة ؛ لأن معصيته أهون
من عدة أوجه".
ثم قال : " شارب الدخان أهون معصية من حالق اللحية ، فيكون أولى بالإمامة من حالق
اللحية ، إذا تساوياً في الصفات المرجحة " انتهى من "مجموع فتاوى ورسائل العثيمين"
(15/131).
وينظر جواب السؤال : (13465) .
وما سبق فيما إذا لم يكن
للمسجد أو المصلى إمام راتب .
وأما إذا كان له إمام راتب : فهو المقدَّم على غيره مطلقاً .
والله أعلم .
تعليق