الحمد لله.
أولاً :
دين الله كله يسر ، وليس في أحكام الشريعة الإسلامية ما يوقع المسلم في الحرج والضيق ، قال الله تعالى : (وما جعَلَ عليْكم في الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) الحج/78.
ولكن المسلم هو الذي يخالف أحكام الشريعة ، ويطيع الشيطان ، فيجلب على نفسه الحرج والمشقة والضيق ، ويظن أن ذلك من الشريعة نفسها ، والشريعة بريئة من ذلك .
وقد يتدرج الشيطان مع العبد شيئا فشيئا ، حتى يجره من تلك المشقة إلى ترك العبادة ، أو التهاون بها ، ويجعل حياته كلها ضيقا وجحيما ، وهذا هو الذي وقع معك .
والأمر أيسر من أن يسبب لك أي ضيق أو حرج ، فالمشروع للمسلم بعد قضاء الحاجة أن يغسل الموضع الظاهر الذي أصابته النجاسة ، ولم تكلفه الشريعة الإسلامية بأكثر من هذا ، فلا يشرع للمسلم بعد ذلك أن يفتش في ثيابه أو أن يختبر نفسه بمنديل أو أن يدخل إصبعه ... إلخ ، فكل ذلك من التشدد والتكلف الذي نهت عنه الشريعة .
جاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة - المجموعة الثانية " (4/33) :
" ما حكم إدخال الإصبع في الدبر لإخراج ما فيه عند الاستنجاء ؟
الجواب : لا يجوز إدخال الإصبع في الدبر من أجل تطهير داخله ؛ لأن هذا من التكلف
المنهي عنه ، وإنما الواجب غسل الظاهر من النجاسة وهو الاستنجاء " انتهى .
وينظر للفائدة جواب السؤال رقم : (65521)
.
وهذا التشدد الذي تفعلينه هو الذي أوقعك فيما أوقعك فيه .
ثانيا :
الحالة التي تعانين منها لا تخرج عن أحد احتمالين ، الأول : أن تكون مجرد وسوسة
أنتجها التشدد والتكلف ، وليست حالة مرضية .
وفي هذه الحالة لا يزمك أكثر من الاستنجاء والوضوء ثم تصلين ، ولا يلزمك بل لا يشرع
لك التفتيش في الثياب .
جاء في " فتاوى اللجنة الدائمة - المجموعة الثانية " (4/32) :
" عليكَ إذا قضيتَ حاجتك أن تستنجي وتنظف المخرج بعدما ينقطع البول تماما ثم تتوضأ
، وإذا توضأت ثم شككت بعد ذلك هل خرج منك شيء أو لا ، فالأصل بقاء الطهارة ، ولا
أثر للشك ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد
ريحا ) " انتهى .
وإذا افترضنا أنه ظهر لك بعد ذلك أن الثياب فيها شيء ، فصلاتك السابقة صحيحة ، ولا عليك إلا أن تغيري الثياب التي أصابتها النجاسة ، ثم تستنجين ، وتتوضئين للصلاة الأخرى .
الاحتمال الثاني :
أن تكون بك حالة مرضية بالفعل ، وقد ذكرت أن ذلك قد يمتد إلى سبع ساعات ، ومثل هذا
يأخذ حكم السلس ، فلا يزمك إلا الاستنجاء ووضع منديل أو قطعة قماش أو فوطة تمنع من
انتشار النجاسة ، ثم تتوضأين وتصلين ، ولا يضرك إن خرج شيء ، سواء خرج قبل الصلاة
أو أثناءها .
ثم عند الصلاة التي بعدها تغيرين (المنديل) وتستنجين وتتوضأين ، وهكذا لكل صلاة .
ولك في هذه الحالة أن تجمعي بين الصلاتين جمعا صوريا ؛ بمعنى أن تؤخري صلاة الظهر
إلى آخر وقتها ، فإذا فرغت منها ، يكون وقت العصر قد قارب الدخول ، فتصلين العصر في
أول وقتها ، ليكون تغييرك للمنديل ، أو الحفاضة الداخلية ، ودخولك الحمام : مرة
واحدة ، بدلا من مرتين ، وهكذا تفعلين مع المغرب والعشاء ، والفجر تصلينه مفردا .
ولك أيضا ، إذا احتجت إلى ذلك : أن تجمعي بين الصلاتين ، جمعا حقيقيا ، إما جمع
تقديم وإما جمع تأخير ، دفعا للحرج والمشقة ، فتتنظفين وتتوضأين مرة واحدة وتصلين
الظهر والعصر ، وهكذا في المغرب والعشاء ، وهذا الجمع قد تحتاجين إليه إذا خرجت من
البيت ، فيكون أيسر لك وأهون عليك .
فتبين لك بذلك أن الله لم يوقعك في حرج ولا عنت ، على أيٍّ من الاحتمالين ، وأن الأمر سهل يسير ، ليس فيه شيء من الضيق والحرج .
ثالثا :
الحالة التي تعانين منها لا تأثير لها إلا على الوضوء والصلاة فقط .
وأما ذكر الله تعالى ، وقراءة القرآن فإن المسلم يذكر الله على جميع أحواله ،
متوضأً أو غير متوضئ ، ويقرأ القرآن على جميع أحواله ، ما لم يكن جنبا ، فقد " كان
رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه" كما قالت عائشة رضي الله
عنها فيما رواه مسلم (558) في صحيحه .
وكان يقرأ القرآن ما لم يكن جنبا ، رواه الترمذي (136) .
فلا يصدنك ما تعانين منه عن
ذكر الله تعالى وقراءة القرآن ، فذلك هو ما يريده الشيطان منك نسأل الله تعالى لك
التوفيق والسداد .
والله أعلم .
تعليق