الحمد لله.
أولاً :
لا شك أن ما ذكرت من إكراه الرجل على الزنا بأمه أو أخته من أعظم المصائب ، ولا يأمر بهذا من لديه ذرة من مروءة أو شرف أو دين مهما كان عدوا .
ومن ابتلي بذلك فليصبر وليختر القتل على الزنا ؛ لأن الزنى لا يبيحه الإكراه عند أكثر العلماء ، ولأنه إن زنى لم يأمن على نفسه من عدوه القادر أن يعود فيقتله ، وإن عاش عاش بالخزي والألم ، والظاهر أن مراد عدوه هو إذلاله ثم قتله .
وقد ذهب كثير من الفقهاء إلى أن من أكره على الزنا بامرأة لم يجز له الإقدام عليه ؛ لتعلق ذلك بحقوق الناس ، فلا يجوز أن يحمي نفسه بالاعتداء على حق غيره ، فكيف إذا كان ذلك بأمه أو أخته .
قال أبو بكر الجصاص رحمه الله : "وقالوا فيمن أكره على قتل رجل أو على الزنا بامرأة : لا يسعه الإقدام عليه ؛ لأن ذلك من حقوق الناس وهما متساويان في الحقوق , فلا يجوز إحياء نفسه بقتل غيره بغير استحقاق , وكذلك الزنا بالمرأة فيه انتهاك حرمتها بمعنى لا تبيحه الضرورة وإلحاقها بالشين والعار" انتهى من "أحكام القرآن" (3/285) .
وقال السيوطي رحمه الله في باب ما يباح بالإكراه وما لا يباح : " الثالث : الزنا ، ولا يباح به بالاتفاق أيضا ؛ لأن مفسدته أفحش من الصبر على القتل ، وسواء كان المكره رجلا أو امرأة" انتهى من "الأشباه والنظائر" (ص 206) .
وجوز كثير من المالكية
للمكره على الزنى أن يفعل إذا كان المزني بها طائعة غير متزوجة . فإن كانت مكرهة -
كما هو الحال في مسألتنا - أو كانت ذات زوج : لم يجز .
قال الدردير رحمه الله : وأما بطائعة لا زوج لها ولا سيد : فيجوز مع الإكراه بالقتل
، لا غيره" انتهى من "الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي" (2/369) .
ثانياً :
إن زنى المكره ، ففي حدّه خلاف :
ففي "الموسوعة الفقهية" (24/32) : "واختلف الفقهاء في حكم الرجل إذا أكره على الزنى
: فذهب صاحبا أبي حنيفة ، والمالكية في المختار والذي به الفتوى ، والشافعية في
الأظهر: إلى أنه لا حد على الرجل المكره على الزنى ... لشبهة الإكراه .
وذهب الأكثر من المالكية - وهو المشهور عندهم - ، والحنابلة : إلى وجوب الحد على
المكره , وذلك لأن الوطء لا يكون إلا بالانتشار الحادث بالاختيار .
وفرق أبو حنيفة بين إكراه السلطان وإكراه غيره , فلا حد عليه في إكراه السلطان ...
والفتوى عند الحنفية على قول الصاحبين" انتهى بتصرف يسير .
نسأل الله أن يحفظ المسلمين من كل شر وبلاء وفتنة ، وأن يرد كيد أعدائهم في نحورهم
.
والله أعلم .
تعليق