الحمد لله.
قد يقع بعض الناس أسيرا للأوهام حين يظنون أن أزماتهم العائلية أو المجتمعية أو المالية أو الصحية إنما وقعت بسبب المس أو السحر ، فتراهم يلجئون لتفسير كل ما يقع لهم من معوقات في حياتهم بإحالتها إلى هذه الظنون الواهمة ، فذلك أيسر عليهم من مواجهة الحقيقة بالأخذ بالأسباب ، والاجتهاد في العلاج ، مع الصبر والمصابرة . وهكذا جبل الإنسان على طلب الأيسر والأسهل .
يجب أن يتذكر جميع المسلمين أن الله عز وجل حين خلق الدنيا لم يتركها عبثا يتسلط فيها الناس بعضهم على بعض بقوى غيبية ، ونفوذ سحري جني ، ولو كان الشأن كذلك لفسدت الدنيا واختلت قوانين الحياة ، ولذلك أمرنا عز وجل أن نتبع الأسباب التي ركّب الكون عليها ، فمن طلب الرزق عليه بالعمل ، ومن طلب الولد عليه بالزواج ، ومن يبحث عن العلم فعليه بالدرس والحفظ والفهم ، ومن طلب الحياة الأسرية المطمئنة فعليه بالكلمة الطيبة ، والحوار الهادئ ، والعفو عن الزلات ، واحتمال الأذى ، وخفض الجناح ، ولين الجانب مع أهل بيته ، وهكذا تكون الأسباب مؤدية إلى نتائجها بإذن الله عز وجل وتقديره ، ولكن الشيطان يسول للإنسان ترك هذه الأسباب ، ويخيل إليه أنه مسحور أو محسود ، ليقعد عن الأخذ بها ، وييأس من إصلاح حاله من خلالها ، فيظل يركض في أوهام السحر وعلاجه ما بين الرقاة الصادقين أو الكاذبين ، وهو في ذلك لا يتقدم خطوة واحدة إلى الأمام .
ونحن هنا لا ننكر وجود السحر والحسد ، ولكننا ننكر مبالغة الناس في نسبة كل شيء إليها ، حتى صارت أوهاما غالبة .
بل حتى السحر ، لا يضر الإنسان شيئا إلا بإذن الله ، كما قال تعالى : (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) البقرة/102 ، فقد يتغلب الإنسان على السحر بتوكله على الله ودعائه والإخلاص له وقراءة القرآن .
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" على أنني أنصح هذا وغيره من اتباع الأوهام التي يلقيها الشيطان في قلب الإنسان ؛ فإن كثيراً من الناس إذا أحس بنفسه أدنى مرض قال : هذه عين ، هذا سحر ، وما أشبه ذلك ، فتتولد هذه الأوهام حتى تكون عقداً في نفسه ، ثم تكون مرضاً حقيقياً . وما أكثر ما يمرض الإنسان بسبب أوهام تتولد في قلبه حتى تتطور وتكون حقيقة ، فإذا غفل الإنسان عن الشيء ، وأعرض عنه ، وتلهى عنه ، فإنه يزول بإذن الله " انتهى من " فتاوى نور على الدرب للعثيمين " (24/ 2، بترقيم الشاملة آليا)
فالنصيحة لك :
أولا : أن تعملي على تحسين أحوالك بالوقوف على أسبابها ، والتفكر في الحلول ، وتحقيق ما يلزم لتجاوز المشاكل ، من عمل ، أو زيارات ، أو تعليم ، أو تفاهم ، أو توسيط أهل الخير للإصلاح ، أو الانتقال للعيش في مكان آخر ، المهم أن تبدئي طريق العلاج.
ثانيا : أن تتركي الذهاب لهؤلاء الذين يعالجون السحر بغير الرقية الشرعية ، وقد يكون هؤلاء سببا في زيادة المشكلة والضيق النفسي الذي تشعرين به .
ولا مانع من استعمال الرقية الشرعية ، بقراءة الفاتحة وآية الكرسي والمعوذات ، كما لا مانع أيضا من الذهاب إلى أحد الرقاة الثقات الذين يعالجون بالرقية الشرعية ، دون أن يصل الأمر إلى حد الأوهام وتعليق كل ضيق على السحر مما يقعدك عن الجد في الأخذ بالأسباب .
وأما زيارتك لعمتك على بعد أربعين ميلا ، فلا حرج عليك في القيام بها بدون محرم ، فهي مسافة قصيرة تساوي تقريبا (64 كم)، فلا تعد في عرف الناس اليوم سفرا ، فلا يشملها النهي عن سفر المرأة بغير محرم .
وقد سبق في موقعنا بيان أن شرط تحريم سفر المرأة بغير محرم أن ينطبق عليه عرفا بين الناس كونه " سفرا "، حتى لو كان قصيرا أقل من ثمانين كيلومتر ، ولكن لا بد أن يسمى في عرف الناس سفرا ، ينظر (101520) ، (110929) ، (127076) ، (174855)
وأخيرا نوصيك بالحرص على الأذكار الشرعية ، التي تسن للمسلم في يومه وليلته ، والأذكار أدبار الصلوات ، فهي ملجأ المسلم لعلاج ضيق صدره مما أصابه ، وهي حرز له عن كل ما يسوؤه بإذن الله . ولا تيأسي من دعاء الله تعالى ، وسؤاله بقلب خاشع خاضع أن يفتح عليك أبواب رحمته ، وأن يكتب لك تجاوز هذه الأزمات ، لتنطلقي إلى العمل والنجاح والتفوق بإذن الله، وما ذلك بالأمر الصعب ولا المستحيل ، المهم أن تبدئي الخطوة الأولى ، وتتوكلي على الله سبحانه . يقول الله تعالى : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا . وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا ) الطلاق/3. ويقول عز وجل : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا . ذَلِكَ أَمْرُ اللَّهِ أَنْزَلَهُ إِلَيْكُمْ وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا ) [الطلاق: 4-5]
والله أعلم .
تعليق