الحمد لله.
أولا :
اليتيم هو من فقد أباه وهو صغير .
وكفالة اليتيم : أن يقوم الكافل مقام الأب في الرعاية والتربية والنفقة .
قال الشيخ عبد المحسن العباد :
" فاليتم هو من جهة الأب ؛ لأنه هو الذي يسعى لجلب الرزق له ، وإذا فقده فإنه يعتبر يتيماً ، فإذا أحسن إنسان إلى يتيم وقام مقام أبيه في الرعاية والإحسان إليه ؛ فإنه يعتبر كافلا لليتيم ، أو عائلاً لليتيم " انتهى من شرحه لسنن أبي داود .
وعلى هذا ؛ فإن كفالة اليتيم
تشمل جوانب متعددة :
فكفالته تكون بالنفقة على طعامه وشرابه ومسكنه ولباسه وعلاجه .
وتكون بحضانته ، بأن ينقله الكافل إلى بيته ويتعهد بأمره كله .
وتكون أيضا بالاهتمام بتربيته وتعليمه وهو في حضانة أمه .
قال النووي :
" كافل اليتيم القائم بأموره من نفقة وكسوة وتأديب وتربية وغير ذلك .
وهذه الفضيلة تحصل لمن كفله من مال نفسه ، أو من مال اليتيم بولاية شرعية " انتهى
من " شرح صحيح مسلم " (18 / 113) .
وقال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :
" وبهذا عرف أن كفالة اليتيم ليست مجرد النفقة ، من مطعم ومشرب ومسكن ، بل أهم من
ذلك الحضانة والتربية " انتهى . " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (18 / 468) .
فقد يكون اليتيم في حضانة
أمه وتقوم هي على تربيته وخدمته .
وقد يكون في إحدى المؤسسات الخيرية، ولكنه في حاجة إلى المال ، فتكون حضانته
بالنفقة عليه .
وقد يكون اليتيم غنيا بما تركه له أبوه من مال ، ولكنه لا يجد أحدا يقوم على حضانته
، فتكون كفالته بنقله إلى بيت الكافل والقيام على أمره ، أو الإتيان له بمربية .
وقد تكون كفالته بالنفقة على تعليمه والإتيان بمن يحفظه القرآن ويعلمه الإسلام ...
ونحو ذلك .
فكل هذه جوانب من جوانب كفالة اليتيم ، ومن قام بجانب منها ، فقد كفل يتيما ، بحسب ما قام به من ذلك .
وقد يشترك جماعة في كفالة اليتيم ، ويقوم كل واحد منهم بجانب من هذه الجوانب ، أو يشترك بعضهم في جانب واحد ، فيكون كل واحد منهم قد كفل يتيما ، وله من الثواب المترتب على ذلك بمقدار نفقته وتعبه في كفالة اليتيم .
جاء في " فتاوى اللجنة
الدائمة " ( 14 / 250 - 251 ) :
" من يكفل يتيما عن طريق المؤسسات الخيرية والهيئات الإغاثية الخيرية الموثوقة ،
التي تقوم برعاية اليتامى والعناية بهم ، من كسوة وسكنى ونفقة ، وما يتعلق بذلك ،
فإنه يدخل تحت مسمى كافل اليتيم إن شاء الله ، ويحصل على الأجر العظيم ، والثواب
الجزيل المسبب لدخول الجنة ؛ لما رواه سهل بن سعد عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
قال: ( أنا وكافل اليتيم في الجنة كهاتين . وأشار بالسبابة والوسطى وفرج بينهما
شيئا ) رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، وهذا لفظ البخاري .
وليس هذا الأجر والثواب محصورا فيمن كفل يتيما عنده في بيته .
لكن كلما كان اليتيم أشد حاجة ، وقام من يكفله برعايته ، والعناية به بنفسه في بيته
، فإنه يكون أعظم أجرا ، وأكثر ثوابا ممن يكفله بماله فقط . وبالله التوفيق ، وصلى
الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء .
الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد ، الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ ، الشيخ
عبد العزيز بن عبد الله بن باز ".
ثانيًا :
أما القول : "ويتم التعامل مع اليتيم حسب الوضع الذي كان عليه والده ... إلخ " .
فليس هذا القول على صوابه ، بهذا الإطلاق ؛ بل يقال : من أراد أن يوسع النفقة على
اليتيم ولم يقع بسبب ذلك مفاسد شرعية كالإسراف ، أو تضييع غيره من اليتامى ، أو
تعويد اليتيم على اللامبالاة وعدم تحمل المسئولية ... ونحو ذلك .
فإذا لم يحصل شيء من المفاسد : فلا بأس بذلك .
أما إن يقال : إن هذه هي كفالة اليتيم المشروعة ، أو أن هذا هو الواجب في حقه ، أو
نحو ذلك: فهذا لا أصل له ، فيما نعلم ، ولا نعلم أحدا قال بذلك ، أو حد كفالة
اليتيم بذلك ، من أهل العلم .
بل القدر الواجب في كفالة اليتيم هو ما تحصل به كفايته .
ويدل لذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم : (من ضم يتيما له أو لغيره حتى يغنيه الله
عنه وجبت له الجنة) رواه الطبراني في الأوسط وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث
الصحيحة "(2882) .
قال المناوي في "فيض القدير" (6/174) :
"(من ضم يتيما له أو لغيره ) أي تكفل بمؤونته وما يحتاجه" انتهى .
ومعنى (يتيما له أو لغيره) أي : سواء كان اليتيم من أقاربه أو ليس منهم .
والأكمل ، في حق من يكفل اليتيم : أن يعامل الكافلُ اليتيمَ كما يعامل أولاده ، فيضمه إلى بيته وينفق عليه ، ويعلمه ويربيه ويهتم بزواجه .. إلخ . كما يفعل مع أولاده .
قال النبي صلى الله عليه وسلم : ( مَنْ ضَمَّ يَتِيمًا بَيْنَ أَبَوَيْنِ مُسْلِمَيْنِ إِلَى طَعَامِهِ وَشَرَابِهِ حَتَّى يَسْتَغْنِيَ عَنْهُ ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ ) رواه الإمام أحمد في " المسند " (31 / 370) ، وقال الألباني في " صحيح الترغيب والترهيب " (2 / 394) : صحيح لغيره ، وكذا قال محققو المسند .
وقَالَ رَجُلٌ: ( يَا رَسُولَ اللَّهِ ! مِمَّ أَضْرِبُ مِنْهُ يَتِيمِي ؟ قَالَ: مِمَّا كُنْتَ ضَارِبًا مِنْهُ وَلَدَكَ) رواه ابن حبان في صحيحه ، وحسنه الألباني في " التعليقات الحسان " (6 / 303 - 304) .
وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال : أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم رجلٌ يشكو قسوة قلبه ، قال : (أتحب أن يلين قلبك وتدرك حاجتك ؟ ارحم اليتيم ، وامسح رأسه ، وأطعمه من طعامك : يلن قلبك ، وتدرك حاجتك) رواه الطبراني وحسنه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب (2544) .
قال
المناوي في فيض القدير (1/142) :
"(وأطعمه من طعامك) أي مما تملكه من الطعام ، أو لا تؤثر نفسك عليه بنفيس الطعام
وتطعمه دونه ، بل أطعمه مما تأكل منه ...
وفيه حث على الإحسان إلى اليتيم ، ومعاملته بمزيد الرعاية والتعظيم، وإكرامه لله
تعالى خالصا." انتهى .
قال
البهوتي رحمه الله :
" وَيُسْتَحَبُّ إكْرَامُ الْيَتِيمِ ، وَإِدْخَالُ السُّرُورِ عَلَيْهِ ، وَدَفْعُ
النَّقْصِ وَالْإِهَانَةِ عَنْهُ ، أَيْ ، عَنْ الْيَتِيمِ . فَجَبْرُ قَلْبِهِ مِنْ
أَعْظَمِ مَصَالِحِهِ... لِحَدِيثِ أَبِي الدَّرْدَاءِ مَرْفُوعًا: ( أَتُحِبُّ أَنْ
يَلِينَ قَلْبُك ..) " . انتهى ، من "كشاف القناع" (8/387) .
وكلما أوسع عليه من النفقة من غير مفسدة شرعية ، فذلك من الإحسان الذي لا يضيع عند الله تعالى : (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَه * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَه ) الزلزلة /7-8 .
وقد يؤخذ من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث السابق : (من ضم يتيما حتى يغنيه الله وجبت له الجنة) أن كفالة اليتيم لا ينبغي أن تنقطع بمجرد بلوغ اليتيم ، فقد يبلغ اليتيم ولكنه لا يزال في حاجة إلى من ينفق عليه ، من أجل أن يكمل تعليمه ، فينبغي للكافل أن يستمر في الإنفاق عليه وتعهده بالنصيحة والتربية ، حتى يكمل تعليمه ، ويبدأ في الاكتساب والاعتماد على نفسه .
وقد
سئل علماء اللجنة الدائمة عن مدرسة أنشئت من أجل اليتامى ، ويُعطى لأسرهم راتب شهري
، ما دام أولادهم في المدرسة ، فهل إذا بلغ خمسة عشر عاما يخرج من المدرسة ، ويقطع
ذلك الراتب عن أسرته ، مع أن الغالب أنه إن أخرج من المدرسة فلن يستطيع إكمال
تعليمه ، وسوف تحرم أسرته من هذا الراتب الشهري مع حاجتهم له .
فأجابوا :
"الواجب يقتضي الاستمرار في تعليم اليتيم والإحسان إليه ولو جاوز الخامسة عشرة حتى
يستغني عن ذلك بعمل أو مدرسة أخرى أو منفق آخر، على أنه فقير؛ وذلك مراعاة للمعنى
الذي قصده النبي صلى الله عليه وسلم بحثه على كفالة اليتيم والإحسان إليه" انتهى من
"فتاوى اللجنة الدائمة" (14/236) .
والله أعلم .
تعليق