الحمد لله.
أولا :
هذا الأثر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه برقم (784) ، وابن أبي شيبة (1/173) بإسناد
صحيح .
وأخرجه البيهقي (1/288) مطولا ، والطحاوي (1/58) ، وقال الألباني " إسنادهما صحيح
على شرط الشيخين " ينظر " تمام المنة في التعليق على فقه السنة " (1/115) .
وأما ما روي من المسح على
النعال مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فضعيف .
قال ابن حجر " روي عن علي وغيره من الصحابة أنهم مسحوا على نعالهم في الوضوء ثم
صلوا ، وروي في ذلك حديث مرفوع أخرجه أبو داود وغيره من حديث المغيرة بن شعبة لكن
ضعّفه عبد الرحمن بن مهدي وغيره من الأئمة " انتهى من " فتح الباري " (1/269) .
ثانياً :
اتفق الأئمة الأربعة على عدم جواز المسح على النعلين ، مع علمهم بالأحاديث الواردة
في المسح على النعال ، ولم يروا العمل بها ، وصرح بذلك البخاري في صحيحه ، فقال "
باب غسل الرجلين في النعلين ، ولا يمسح على النعلين " .
قال ابن حجر : " وأشار بذلك إلى ما روي عن علي وغيره من الصحابة أنهم مسحوا على
نعالهم في الوضوء ، ثم صلوا " انتهى من " فتح الباري " (1/286) .
وقد رأى هؤلاء الأئمة أن المسح على النعلين يعارض الأحاديث التي فيها الأمر بغسل
الرجلين ، فلذلك لم يقولوا به .
قال صالح بن الإمام أحمد لأبيه " مَا تَقول فِي حَدِيث عَليّ أَنه مسح على
نَعْلَيْه ثمَّ خلعهما وَأم الْقَوْم وَلم يحدث وضُوءًا مَا مَعْنَاهُ ؟ قَالَ
يرْوى هَذَا عَن عَليّ .
قلت فَإِن فعل هَذَا رجل ؟ قَالَ مَا يُعجبنِي ، يرْوى عَن النَّبِي صلى الله
عَلَيْهِ وَسلم أَنه قَالَ ويل لِلْأَعْقَابِ من النَّار فَإِن كَانَ أَتَى الْمسْح
على الأعقاب وَغسل الرجلَيْن فَلَا بَأْس " .
انتهى من " مسائل الإمام أحمد برواية ابنه صالح " (2/153) .
وأجابوا عن الآثار الواردة في المسح على النعال بعدة أجوبة ، أشهرها : أن أحاديث
المسح على النعلين ، محمولة على ما إذا لبسهما فوق الجوربين .
قال عبد الله بن الإمام أحمد : " سَأَلت أبي عَن الْمسْح على النَّعْلَيْنِ فَقَالَ
: إِذا كَانَ فِي الْقدَم جوربان قد ثبتا فِي الْقدَم فَلَا بَأْس بِالْمَسْحِ على
النَّعْلَيْنِ " .
وفيها : " سَأَلت أبي عَن الرجل يمسح على نَعْلَيْه فكرهه ، وَقَالَ : لَا " .
انتهى من " مسائل الإمام أحمد برواية ابنه عبد الله " (1/34) .
وقال ابن القيم رحمه الله عن حديث المسح على النعال :
" هذا من الأحاديث المشكلة جدا " ثم ذكر سبعة مسالك للعلماء في توجيه أحاديثها
وأطال في ذلك ، ثم قال بعد أن ذكر المسلك السادس : وهو أن أحاديث المسح على النعل
تحمل على أن المراد بها : الرش ؛ لأنه جاء مفسّرا في الرواية الأخرى ، ثم قال "
وَهَذَا مَذْهَب كَمَا تَرَى [يعني : ليس قوياً] , لَوْ كَانَ يُعْلَم قَائِل
مُعَيَّن . وَلَكِنْ يُحْكَى عَنْ طَائِفَة لَا أَعْلَم مِنْهُمْ مُعَيَّنًا .
وَبِالْجُمْلَةِ فَهُوَ خَيْر مِنْ مَسْلَك الشِّيعَة فِي هَذَا الْحَدِيث ، وَهُوَ
:
الْمَسْلَك السَّابِع : أَنَّهُ دَلِيل عَلَى أَنَّ فَرْض الرِّجْلَيْنِ الْمَسْح
... وَبِالْجُمْلَةِ فَاَلَّذِينَ رَوَوْا وُضُوء النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : مِثْل عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ , وَعَبْدِ
اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ، وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ , وَالْمُغِيرَةِ
بْنِ شُعْبَةَ , وَالرُّبَيِّعِ بِنْتِ مُعَوِّذٍ , وَالْمِقْدَامِ بْنِ مَعْدِ
يكَرِبَ , وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَجَدِّ طَلْحَةَ بْنِ مُصَرِّفٍ ،
وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ ، وَغَيْرهمْ رَضِيَ
اللَّه عَنْهُمْ لَمْ يَذْكُر أَحَد مِنْهُمْ مَا ذُكِرَ فِي حَدِيث عَلِيٍّ
وَابْنِ عَبَّاسٍ ، مَعَ الِاخْتِلَاف الْمَذْكُور عَلَيْهِمَا . وَاللَّهُ أَعْلَم
" انتهى من " تهذيب سنن أبي داود وإيضاح مشكلاته " (1/95-98) .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله :
" ثبت عن بعض الصحابة كابن عمر وعلي بن أبي طالب وأوس بن أوس الثقفي في السنن
وغيرهم أنهم مسحوا على نعالهم ، وأن بعضهم نزع نعليه ثم دخل فصلى في المسجد ومنها :
حديث حصين بن عبد الرزاق على شرط الشيخين ، فكيف نوجه هذا ؟
فأجاب : " هذا له توجيه عند بعض أهل العلم : أنه يجوز المسح على النعلين إذا كانت
تستر أكثر القدم . وبعضهم يقول : إن القدم إما أن تكون مستورة بالخف والجورب فتمسح
، أو غير مستورة بشيء فتغسل ، أو مستورة بالنعل فترش رشا بين الغسل والمسح ، وحملوا
الحديث الوارد في المسح على النعلين على هذا ، وقالوا : إن المراد أنه رشها ، ثم مر
بيده عليها ، وعلى كل حال : فالاحتياط للمرء ألا يقدم على شيء إلا وهو يعلم أن
السنة جاءت به ، أو يغلب على ظنه أن السنة جاءت به .
وأما ما ورد عن الصحابة ، مما يخالف ظاهر السنة : فإنه لا يؤخذ به ؛ بل يعتذر عنهم
ولا يحتج بفعلهم " انتهى من اللقاء السادس من " لقاءات الباب المفتوح " .
وقال أيضا :
" لا يجوز المسح على النعل ؛ بل لا بد من خلع النعل وغسل الرجل .
أما الخف ، وهو ما يستر الرجل : فإنه يجوز المسح عليه ، سواء كان من جلد ، أو من
قطن، أو من صوف ، أو من غيرها ؛ بشرط أن يكون مما يحل لبسه " .
انتهى من " فتاوى نور على الدرب " (7/2) بترقيم الشاملة .
وينظر في ذلك أيضا : " شرح
معاني الآثار للطحاوي " مع شرحه للعيني " نخب الأفكار في تنقيح مباني الأخبار في
شرح معاني الآثار " (2/293) .
والخلاصة : أن هذا الأثر عن
علي رضي الله عنه هو من الفقه الذي يدخله الاجتهاد ، فليس له حكم الرفع ؛ لا سيما
وأنه معارض بالأحاديث الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم التي فيها الأمر غسل
الرجلين ؛ فلا يقال في مثل هذا : إن له حكم الرفع .
والله أعلم .
تعليق