الحمد لله.
أولا:
النذر لا ينعقد إلا بالنطق للقادر عليه .
وفي "الموسوعة الفقهية" (40/140) : " اعتبر الفقهاء في صيغة النذر أن تكون باللفظ ممن يتأتى منهم التعبير به ، وأن يكون هذا اللفظ مشعرا بالالتزام بالمنذور ، وذلك لأن المعول عليه في النذر هو اللفظ ، إذ هو السبب الشرعي الناقل لذلك المندوب المنذور إلى الوجوب بالنذر ، فلا يكفي في ذلك النية وحدها بدونه .
ويقوم مقام اللفظ الكتابة المقرونة بنية النذر ، أو بإشارة الأخرس المفهمة الدالة أو المشعرة بالتزام كيفية العقود" انتهى.
فمتى شككت هل تلفظت بالنذر أم لا، فلا شيء عليك؛ لأن الأصل براءة الذمة وعدم انشغالها بالنذر.
قال العز بن عبد السلام رحمه الله: " ولو شك هل لزمه شيء من ذلك أو لزمه دين في ذمته ، أو عين في ذمته ، أو شك في عتق أمته أو طلاق زوجته ، أو شك في نذر أو شيء مما ذكرناه فلا يلزمه شيء من ذلك ؛ لأن الأصل براءة ذمته ، فإن الله خلق عباده كلهم أبرياء الذمم والأجساد من حقوقه وحقوق العباد إلى أن تتحقق أسباب وجوبها " .
انتهى من "قواعد الأحكام" (2/43).
ثانيا:
نذر اللجاج يخير فيه صاحبه بين الوفاء به وبين كفارة اليمين .
قال ابن قدامة في " المغني " (9/505) : " إذَا أَخْرَجَ النَّذْرَ مَخْرَجَ الْيَمِينِ ، بِأَنْ يَمْنَعَ نَفْسَهُ أَوْ غَيْرَهُ بِهِ شَيْئًا، أَوْ يَحُثَّ بِهِ عَلَى شَيْءٍ، مِثْلَ أَنْ يَقُولَ: إنْ كَلَّمْت زَيْدًا، فَلِلَّهِ عَلَيَّ الْحَجُّ، أَوْ صَدَقَةُ مَالِي، أَوْ صَوْمُ سَنَةٍ ، فَهَذَا يَمِينٌ، حُكْمُهُ أَنَّهُ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الْوَفَاءِ بِمَا حَلَفَ عَلَيْهِ ، فَلَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَبَيْنَ أَنْ يَحْنَثَ، فَيَتَخَيَّرَ بَيْنَ فِعْلِ الْمَنْذُورِ، وَبَيْنَ كَفَّارَةِ يَمِينٍ ، وَيُسَمَّى نَذْرَ اللَّجَاجِ وَالْغَضَبِ، وَلَا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الْوَفَاءُ بِهِ " انتهى .
فإذا نذرت ثم وقعت في المعصية ، كنت مخيرا بين الصدقة وبين كفارة اليمين وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم أو عتق رقبة ، فإن لم تجد فصيام ثلاثة أيام، مع التوبة إلى الله تعالى من فعل المعصية.
ثالثا:
إذا تيقنت من تلفظك بالنذر، فاعلم أن المنذور هنا يتكرر بتكرر الفعل؛ لأنك علقت النذر بلفظ "كلما" وهي تفيد التكرار، فكلما فعلت الذنب، فأنت مخير بين الوفاء بنذرك وبين كفارة يمين.
جاء في "شرح الزرقاني على مختصر خليل" (3/110) ، فيما يلزم به تكرار الكفارة :
" (أو دل) على التكرار (لفظه) ، أي الحالف ... (أو) دل لفظه على التكرار بالوضع ، كتعليقه (بكلما ، أو مهما) فعلت كذا ، فعلي كفارة ، أو يمين ؛ فعليه بكل فعلة : كفارة واحدة.. " انتهى .
وفي " فتاوى اللجنة الدائمة
" (23/304): " س: في حالة ارتكاب الذنب ، ينوي أن يكفر كفارة اليمين؛ لأنه عاهد
الله أن لا يعود لها، وهل يكفر كلما عاد للذنب أم يكتفي بالكفارة الأولى عند الحنث؟
علما أنه نوى- كما قلت- أن يكفر كلما عاد تأديبا لنفسه وردعا لها.
أفتونا مأجورين جزاكم الله عنا كل خير.
ج: الإنسان إذا اشترط على نفسه وعاهد الله تعالى أنه كلما عاد إلى الذنب أنه يكفر :
فإنه يجب عليه ذلك ؛ لأن ذلك من باب النذر، وكلمة (كلما) للتكرار.
وبالله التوفيق، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم" انتهى .
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
الشيخ عبد الله بن غديان ... الشيخ عبد الرزاق عفيفي ... الشيخ عبد العزيز بن عبد
الله بن باز" .
وهذا ما لم تعجز عن الصدقة ، وعن كفارة اليمين ، ولو بالصيام ، فتكفيك حينئذ كفارة
واحدة ينحل بها نذرك ؛ لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : ( مَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَمْ يُسَمِّهِ فَكَفَّارَتُهُ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا فِي مَعْصِيَةٍ فَكَفَّارَتُهُ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا لَا يُطِيقُهُ فَكَفَّارَتُهُ
كَفَّارَةُ يَمِينٍ ، وَمَنْ نَذَرَ نَذْرًا أَطَاقَهُ فَلْيَفِ بِهِ) رواه أبو
داود (3322)، قال الحافظ في "الفتح" : " رواه ثقات ، لكن أخرجه ابن أبي شيبة موقوفا
وهو أشبه " .
قال ابن قدامة في " المغني " (10/72) : " وجملته أن من نذر طاعة لا يطيقها أو كان
قادرا عليها فعجز عنها فعليه كفارة يمين " .
وإذا كان هذا في نذر التبرر فأولى أن يكون في نذر يراد به الترك.
والله أعلم.
تعليق