الحمد لله.
قد اشتمل سؤالك على ثلاث صور في بيع الذهب ، وهي كما يلي:
الصورة الأولى : بيع ذهب حال بذهب حالٍ مع أجرة التصنيع حالة .
الصورة الثانية: بيع ذهب حال بذهب مؤجل، مع أجرة التصنيع حالة.
الصورة الثالثة: بيع ذهب حال بذهب وأجرة مؤجلين.
وجميع هذه الصور محرمة ، وبيان ذلك كما يلي :
1- أما الصورة الأولى ، فهي من ربا الفضل؛ لأن الذهب بالذهب يجب أن يكون مثلا بمثل ، لا فرق بين التبر والمصنوع ، فزيادة أجرةٍ لأجل الصناعة محرم .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (4/29) : " والجيد والرديء ، والتبر والمضروب ، والصحيح والمكسور : سواء ؛ في جواز البيع مع التماثل ، وتحريمه مع التفاضل ، وهذا قول أكثر أهل العلم ، منهم أبو حنيفة والشافعي .
وحُكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته من جنسه ، وأنكر أصحابه ذلك ، ونفوه عنه " انتهى .
وفي "الموسوعة الفقهية" " (22/74) : " ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إلَى أَنَّ عَيْنَ الذَّهَبِ وَتِبْرَهُ ، وَالصَّحِيحَ وَالْمَكْسُورَ مِنْهُ سَوَاءٌ فِي جَوَازِ الْبَيْعِ مَعَ التَّمَاثُلِ فِي الْمِقْدَارِ وَتَحْرِيمِهِ مَعَ التَّفَاضُلِ ، قَالَ الْخَطَّابِيُّ : وَقَدْ حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُبَاعَ مِثْقَالُ ذَهَبٍ عَيْنٍ بِمِثْقَالٍ وَشَيْءٍ مِنْ تِبْرٍ غَيْرِ مَضْرُوبٍ ، وَكَذَلِكَ حُرِّمَ التَّفَاوُتُ بَيْنَ الْمَضْرُوبِ مِنْ الْفِضَّةِ وَغَيْرِ الْمَضْرُوبِ مِنْهَا ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ تِبْرُهَا وَعَيْنُهَا ) " انتهى .
وهذا الحديث رواه أبو داود (3349) وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه
الله : وما الحكم في أن كثيراً من أصحاب محلات الذهب يتعاملون بشراء الذهب المستعمل
(الكسر) ثم يذهبون به إلى تاجر الذهب ويستبدلونه بذهب جديد مصنع ، وزن مقابل وزن
تماماً، ويأخذون عليه أجرة التصنيع للذهب الجديد ؟
فأجاب : " ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: ( الذهب بالذهب والفضة
بالفضة والبر بالبر والتمر بالتمر والشعير بالشعير والملح بالملح مثلاً بمثل ، سواء
بسواء ، يداً بيد). وثبت عنه أنه أُتي بتمر جيد فسأل عنه فقالوا : كنا نأخذ الصاع
من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة ، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم، برد البيع
وقال : (هذا عين الربا) ، ثم أرشدهم أن يبيعوا التمر الرديء بالدراهم ، ثم يشتروا
بالدراهم تمراً جيداً.
ومن هذه الأحاديث نأخذ أن ما ذكره السائل من تبديل ذهب بذهب مع إضافة أجرة التصنيع
إلى أحدهما : أنه أمر محرم لا يجوز ، وهو داخل في الربا الذي نهي النبي صلى الله
عليه وسلم عنه.
والطريق السليم في هذا أن يباع الذهب الكسر بثمن ، من غير مواطأة ولا اتفاق، وبعد
أن يقبض صاحبه الثمن ، فإنه يشتري الشيء الجديد .
والأفضل أن يبحث عن الشيء الجديد في مكان آخر، فإذا لم يجده رجع إلى من باعه عليه ،
واشترى بالدراهم، وإذا زادها فلا حرج ، المهم أن لا تقع المبادلة بين ذهب وذهب مع
دفع الفرق ، ولو كان ذلك من أجل الصناعة .
هذا إذا كان التاجر تاجر بيع، أما إذا كان التاجر صائغاً فله أن يقول: خذ هذا الذهب
اصنعه لي ، على ما يريد من الصناعة وأعطيك أجرته إذا انتهت الصناعة ، وهذا لا بأس
به " .
انتهى من " فتاوى إسلامية " (2/353).
وقال رحمه الله أيضا : " الصحيح أن زيادة أجرة التصنيع لا تجوز ؛ لأن الصناعة وإن
كانت من فعل الآدمي ، لكنها زيادة وصف في الربوي ، تشبه زيادة الوصف الذي من خلق
الله عز وجل ، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم أن يشترى صاع التمر بصاعين من
التمر الرديء ، والواجب على المسلم الحذر من الربا والبعد عنه لأنه من أعظم الذنوب"
.
انتهى من "فقه وفتاوى البيوع" (ص 393)، جمع أشرف عبد المقصود .
2- وأما الصورة الثانية
ففيها الجمع بين ربا الفضل وربا النسيئة.
فزيادة الأجرة ، من ربا الفضل ، وتأخير الذهب من ربا النسئية ، والشرط في بيع الذهب
بالذهب أن يكون مثلا بمثل، يدا بيد؛ لما روى مسلم (1587) عَنْ عُبَادَةَ بْنِ
الصَّامِتِ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
وَسَلَّمَ : ( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ مِثْلًا بِمِثْلٍ
، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ...... فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ
الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ).
3- والصورة الثالثة كالثانية ، فيها جمع بين ربا الفضل ، وربا النسيئة.
والمشروع هنا أمران كما تقدم
في كلام الشيخ ابن عثيمين:
الأول: أن يبيع الرجل ما عنده من الذهب القديم (الكسر) بالنقود ، ثم يشتري بالنقود
ما أراد من الذهب المصنع ، على أن يكون الشراء يدا بيد، فيدفع النقود كاملة ،
ويستلم الذهب في مجلس العقد.
الثاني: أن يعطي ذهبه (الكسر) لمن يصنعه له بأجرته من النقود .
والله أعلم.
تعليق