الحمد لله.
لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم من طلاب الدنيا ، ولا خطر حب الدنيا له على بال ؛ فقد عاش حياة الزهد والعبادة ، وانشغل بأمر الآخرة ، وسيرته وأحاديثه ناطقة بصحة ذلك :
- فروى الترمذي (2377) عن ابن مسعود قَالَ: " نَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حَصِيرٍ فَقَامَ وَقَدْ أَثَّرَ فِي جَنْبِهِ ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ لَوِ اتَّخَذْنَا لَكَ وِطَاءً ، فَقَالَ: ( مَا لِي وَلِلدُّنْيَا، مَا أَنَا فِي الدُّنْيَا إِلَّا كَرَاكِبٍ اسْتَظَلَّ تَحْتَ شَجَرَةٍ ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَهَا) .
وصححه الألباني في " صحيح الترمذي ".
- وروى أحمد (7120) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " جَلَسَ جِبْرِيلُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَنَظَرَ إِلَى السَّمَاءِ فَإِذَا مَلَكٌ يَنْزِلُ ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : ( إِنَّ هَذَا الْمَلَكَ مَا نَزَلَ مُنْذُ يَوْمِ خُلِقَ قَبْلَ السَّاعَةِ ) ، فَلَمَّا نَزَلَ قَالَ : ( يَا مُحَمَّدُ أَرْسَلَنِي إِلَيْكَ رَبُّكَ قَالَ : أَفَمَلِكًا نَبِيًّا يَجْعَلُك َ، أَوْ عَبْدًا رَسُولًا ؟ قَالَ جِبْرِيلُ : تَوَاضَعْ لِرَبِّكَ يَا مُحَمَّدُ ، قَالَ ( بَلْ عَبْدًا رَسُولًا ) " .
صححه الألباني في "الصحيحة" (1002) .
فترك الملك ، واختار العبودية لله والرسالة .
- وروى البغوي في "شرح السنة" (5/442) عَنْ عَائِشَةَ ، قَالَتْ : " قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كُلْ - جَعَلَنِي اللَّهُ فِدَاكَ - مُتَّكِئًا ، فَإِنَّهُ أَهْوَنُ عَلَيْكَ ، فَأَصْغَى بِرَأْسِهِ حَتَّى كَادَ أَنْ تُصِيبَ جَبْهَتُهُ الأَرْضَ وقَالَ : ( لا ، بَلْ آكُلُ كَمَا يَأْكُلُ الْعَبْدُ ، وَأَجْلِسُ كَمَا يَجْلِسُ الْعَبْدُ ) .
وصححه الألباني في "الصحيحة" (544) .
- وروى الإمام أحمد (13529) عَنْ أَنَسٍ : " أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: يَا سَيِّدَنَا، وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَيَا خَيْرَنَا، وَابْنَ خَيْرِنَا !!
فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا أَيُّهَا النَّاسُ، قُولُوا بِقَوْلِكُمْ ، وَلَا يَسْتَهْوِيَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ ؛ أَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ ، وَرَسُولُ اللهِ ؛ وَاللهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَا رَفَعَنِي اللهُ ) .
صححه الألباني في "الصحيحة" (1097) .
- وسئلت عَائِشَة رضي الله عنها : " مَا كَانَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْمَلُ فِي بَيْتِهِ؟ فقَالَتْ: كَانَ بَشَرًا مِنَ الْبَشَرِ يَفْلِي ثَوْبَهُ ، وَيَحْلُبُ شَاتَهُ ، وَيَخْدُمُ نَفْسَهُ " .
رواه أحمد (26194) ، وصححه الألباني في "الصحيحة" (671)
وفي رواية له أيضا (24903) : " كَانَ يَخِيطُ ثَوْبَهُ ، وَيَخْصِفُ نَعْلَهُ ، وَيَعْمَلُ مَا يَعْمَلُ الرِّجَالُ فِي بُيُوتِهِمْ " وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (4937) .
- وعن عائشة رضي الله عنها قالت : " إِنْ كُنَّا لَنَنْظُرُ إِلَى الْهِلاَلِ ثُمَّ الْهِلاَلِ ، ثَلاَثَةَ أَهِلَّةٍ فِي شَهْرَيْنِ ، وَمَا أُوقِدَتْ فِي أَبْيَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَارٌ ، فَقُلْتُ - أي عروة بن الزبير - : يَا خَالَةُ ! مَا كَانَ يُعِيشُكُمْ ؟ قَالَتِ : الأَسْوَدَانِ : التَّمْرُ ، وَالْمَاءُ " رواه البخاري (2567) ، ومسلم (2972) .
ولو كان النبي صلى الله عليه وسلم طالب دنيا أو طالب ملك ، لما كان هذا حاله ، بل توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وما ترك شيئا من الأموال لورثته من بعده .
وما كان في يده من شيء في حياته ، فإنما هو صدقة بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ؛ ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم ، عن نفسه ، وعن إخوانه الأنبياء، عليهم صلوات الله وسلامه:
( لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ ) رواه البخاري (6727) ، ومسلم (1758) .
أما الشهوة :
فالشهوة المباحة : حلال طيب ، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصيب منها ، دون أن
تعطله عن أمر دينه ومصالح المسلمين ، وقد روى البخاري (5063) ، ومسلم (1401) عنه
صلى الله عليه وسلم قال : ( أَمَا وَاللَّهِ إِنِّي لَأَخْشَاكُمْ لِلَّهِ
وَأَتْقَاكُمْ لَهُ ، لَكِنِّي أَصُومُ وَأُفْطِرُ، وَأُصَلِّي وَأَرْقُدُ،
وَأَتَزَوَّجُ النِّسَاءَ ، فَمَنْ رَغِبَ عَنْ سُنَّتِي فَلَيْسَ مِنِّي) .
وليس هذا خاصا بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم ، بل جميع الأنبياء قبله كانوا كذلك
، قال الله تعالى : ( وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا
لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً ) الرعد/38 .
وقد أخبرنا نبينا صلى الله عليه وسلم ، عن نبي الله سليمان بن داود عليهما السلام ،
أنه قال : ( لَأَطُوفَنَّ اللَّيْلَةَ عَلَى مِائَةِ امْرَأَةٍ ، أَوْ تِسْعٍ
وَتِسْعِينَ كُلُّهُنَّ ، يَأْتِي بِفَارِسٍ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ) !!
بل إن "العهد القديم" يذكر
عن سليمان بن داود عليهما السلام ، أنه كان له ألف امرأة .
" سفر الملوك الأول " (11 :3) .
فما بال أهل الكتاب يؤمنون بذلك كله ، وهو في كتبهم لا ينكرونه ، ثم ينكرون أن
يتزوج نبينا صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع من النساء ؟!
وأما زواجه صلى الله عليه وسلم بأكثر من أربع من النساء: فذلك لحكم بالغة ، لا يطلع على شيء منها الغوي الذي تستهويه شهواته ، ويتسلط عليه شيطانه ، وقد ذكرنا شيئا من هذه الحكم في الفتوى رقم : (127066) .
والله أعلم .
تعليق