الحمد لله.
ليس من شك في أن الأم هي أعظم الناس حقا على ابنها ، وأن برها من أوجب الواجبات عليه ، قال الله تعالى : (ووصينا الإنسان بوالديه إحساناً حملته أمه كرهاً ووضعته كرهاً ) الأحقاف / 15 .
وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، مَنْ أَحَقُّ النَّاسِ بِحُسْنِ صَحَابَتِي ؟ ، قَالَ : (أُمُّكَ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : ( ثُمَّ أُمُّكَ ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : (ثُمَّ أُمُّكَ) ، قَالَ : ثُمَّ مَنْ ؟ ، قَالَ : (ثُمَّ أَبُوكَ) رواه البخاري (5971) ، ومسلم (2548) .
لكن ذلك لا يعني ألا يعطي الرجل الآخرين حقوقهم ، بل الواجب عليه أن يعطي كل ذي حق حقه ، ويوازن بين هذه الحقوق ، ويجمع بين ما يقدر عليه من المصالح ، ويحسن سياسة بيته وشأنه .
وإذا كان الله تعالى قد أمر
بالإحسان إلى الأم فقد أمر أيضا بالإحسان إلى الزوجة ومعاشرتها بالمعروف ، قال
تعالى : ( وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) البقرة/ من الآية
228 .
وقال تعالى : ( وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ) النساء/ من الآية 19 , قال الشيخ
عبد الرحمن السعدي – رحمه الله - : " وهذا يشمل المعاشرة القولية ، والفعلية ، فعلى
الزوج أن يعاشر زوجته ببذل النفقة ، والكسوة ، والمسكن ، اللائق بحاله ، ويصاحبها
صحبة جميلة ، بكف الأذى ، وبذل الإحسان ، وحسن المعاملة ، والخلق ، وأن لا يمطلها
بحقها ، وهي كذلك عليها ما عليه من العشرة ، وكل ذلك يتبع العرف ، في كل زمان ،
ومكان ، وحال ، ما يليق به" .
انتهى من " تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن " ( ص 132 ) .
ويراجع الفتوى رقم: (125457).
وإذا كان الإحسان إلى الأم
طريقا إلى الجنة ، فالإحسان إلى الزوجة أيضا طريق إلى الجنة لأنه امتثال لأمر الله
تعالى ، وكل امتثال لأمره سبحانه يقرب إلى رضوان الله وجنته.
فالواجب على الرجل أن يلتزم العدل وأن يعطي كل ذي حق حقه .
وإذا كان زوجك يحمد على بره
بوالدته إلا أنه يحتاج إلى معرفة الموقف الصحيح حينما تتعارض مصالح والدته مع مصالح
زوجته ، فليس معنى أن حق الأم آكد عليه من حق الزوجة : أن جميع مطالب الأم تُلبى
وتقدم على مطالب الزوجة .
فقد تكون مطالب الأم نوعاً من الكماليات ، كالتنزه ، أو نوعا من الحاجات التي يمكن
تأجيلها ولا يلحق الأم بسبب ذلك مشقة ولا أذى كشراء ثياب مثلا ، وفي الوقت ذاته
تكون مطالب الزوجة من باب الضرورة أو الحاجة الشديدة التي ينبغي أن تُلبى فورا ،
وتأخيرها يضر الزوجة أو يؤذيها أذى شديدا ، ففي هذه الحالة على الزوج أن يقدم حاجة
زوجته على مطالب والدته ، ولا يكون بذلك عاقا أو مقصرا في حق الأم ، بل يكون موافقا
لحكم الله ، فقدَّم ما أمر الله بتقديمه .
وقد ذكر القرافي رحمه الله الضابط فيما إذا تعارضت الحقوق ، ماذا يقدم منها ؟
فقال في كتابه "الفروق" (2/358، 359) :
"ويقدم الفوري على المتراخي".
والفوري هو ما لم يأذن الشرع بتأخيره ، والمتراخي ما أذن بتأخيره ، ودفع ضرورة
المضطر أو حاجته – كالمرض – فوري ، لأنه إزالة لألم موجود بالفعل .
وقال أيضا : "ويقدم ما يخشى فواته على ما لا يخشى فواته ، وإن كان أعلى مرتبة منه ،
كما تقدم حكاية قول المؤذن على قراءة القرآن ، لأن قراءة القرآن لا تفوت ، وحكاية
قول المؤذن تفوت بالفراغ من الأذان".
وقد نص أهل العلم ـ أيضا ـ
على أنه "إذا تزاحمت المصالح قدم الأعلى منها" .
انتهى من "تيسير اللطيف المنان في خلاصة تفسير القرآن" (1 / 169).
ولا شك أن الضرورات تقدم على الحاجيات والحاجيات تقدم على التحسينيات.
وهذا ينطبق تماما على ما ذكرته ، فإغاثة الملهوف ومعالجة المريض المتألم أمر يخشى فواته ، بأن يتفاقم المرض ويزداد الألم ، أما شراء ثوب لوالدته – عندها غيره - ، أو الذهاب إلى الحمام الطبيعي أو التنزه فأمر لا يفوت ، ويمكن تأجيله .
غير أننا نأمل منك أن تعذري
زوجك بقصده الحسن ، وأن يكون التفاهم معه حول ذلك ، بنصح هادئ ، وتسامح ، وإغضاء عن
بعض الحقوق ؛ ومن ذا الذي ما ساء قط ؟ ومن له الحسنى فقط ؟
نسأل الله أن يصلح لك زوجك ، وأن يصلح ذات بينكما ، ويجمع بينكما في خير حال .
والله أعلم.
تعليق