الحمد لله.
أولا:
الوساطة مشروعة في بيع الأراضي وغيرها، وهي عقد سمسرة وجعالة.
وفي "الموسوعة الفقهية" (10/ 152) : " والسمسرة اصطلاحا : هي التوسط بين البائع والمشتري ، والسمسار هو : الذي يدخل بين البائع والمشتري متوسطا لإمضاء البيع ، وهو المسمى الدلال ، لأنه يدل المشتري على السلع ، ويدل البائع على الأثمان" انتهى.
وقال البخاري رحمه الله في صحيحه : " بَاب أَجْرِ السَّمْسَرَةِ . وَلَمْ يَرَ ابْنُ سِيرِينَ وَعَطَاءٌ وَإِبْرَاهِيمُ وَالْحَسَنُ بِأَجْرِ السِّمْسَارِ بَأْسًا . وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : لَا بَأْسَ أَنْ يَقُولَ : بِعْ هَذَا الثَّوْبَ فَمَا زَادَ عَلَى كَذَا وَكَذَا فَهُوَ لَكَ . وَقَالَ ابْنُ سِيرِينَ : إِذَا قَالَ : بِعْهُ بِكَذَا فَمَا كَانَ مِنْ رِبْحٍ فَهُوَ لَكَ أَوْ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَلَا بَأْسَ بِهِ ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ )" انتهى .
ثانيا:
إذا تم البيع استحق الوسيط العمولة ، أو الجُعل، ولم يكن مطالبا بعد ذلك بشيء.
فلو فُسخ البيع، لم يكن مسئولا عن رد الثمن إلى المشتري، ولا عن رد السلعة إلى البائع؛ لأن عمله هو التقريب بين المشتري والبائع حتى تتم الصفقة، وليس مسئولا عن تبعات البيع.
ولعل هذا هو ما يسأل عنه السائل، وإلا فالسؤال غير واضح.
وهنا مسألتان تمس الحاجة
لبيانهما:
المسألة الأولى: هل يستحق الوسيط عمولته في حال الفسخ؟
وفي ذلك تفصيل:
1-فإن كان الفسخ باختيار العاقدين ، كالفسخ بالإقالة، فلا تسقط أجرة الوسيط ، لأن
أجرته استقرت بانتهاء عمله.
2-وإن كان الفسخ بسبب معتبر ، كوجود عيب ترد به السلعة، أو تبين أن لها مستحقا آخر،
فللفقهاء في استحاق الوسيط الأجرة قولان:
الأول: أنه لا يستحق الأجرة، وإليه ذهب المالكية والحنابلة. وذلك لأن البيع انتقض،
فلم يحصل تمام العمل الذي يستحق به الوسيط الأجر.
الثاني: أنه يستحق الأجرة، إلا إن تبين أن العقد لم ينعقد أصلا، كأن يكون المبيع
وقفا ، أو نحو ذلك . وهذا مذهب الحنفية. وذلك لأن أجرته مقابل عمله، وقد تم العمل،
فاستحق الأجرة.
والراجح هو القول الأول ، لأن السمسرة مقابل حصول البيع ، وقد نُقض البيع ، ونقضه
كان بسبب قديم قبل العقد فلم يتم البيع .
وينظر: " أحكام الوساطة التجارية "، للدكتور عبد الرحمن بن صالح الأطرم، ص395
وقد ذكر العلامة السعدي
قاعدة مفيدة في ذلك فقال: "القاعدة الثالثة والخمسون: إذا تبين فساد العقد ، بطل ما
بني عليه ، وإن فسخ فسخا اختياريا ، لم تبطل العقود الطارئة قبل الفسخ، وهذا ضابط
وفرق لطيف" انتهى من " القواعد والأصول الجامعة "( ص105) .
وقد أورد الحنابلة هذه المسألة في موضع خفي في باب الصداق.
قال في "مطالب أولي النهى" (5/215): " ومن أخذ شيئا بسبب عقد بيع ونحوه ، كدلال
وكيال ووزان ، فقال ابن عقيل في النظريات : إن فسخ بيع بنحو إقالة ، مما يقف على
تراض من المتعاقدين ، كشرط الخيار لهما ، ثم يفسخان البيع : لم يرد المأخوذ ؛ للزوم
البيع .
وإلا يقف الفسخ على تراضيهما ، كفسخ لعيب ، يرد المأخوذ بسبب العقد ؛ لأن البيع وقع
مترددا بين اللزوم وعدمه " انتهى.
المسألة الثانية: إذا تبين
أن المبيع به عيب ، أو مستحق للغير، فعلى من تكون العهدة؟
اختلف في ذلك، فقيل: لا عهدة على السمسار بل على البائع، وقيل: العهدة على السمسار،
وقيل: العهدة عليه إذا كان يعلم ذلك.
والراجح أنه لا عهدة عليه إلا إذا وجد شرط أو عرف بأن العهدة على الوسيط، كما لو
شرط ولي الأمر على السماسرة أن يتأكدوا من ملك البائع للسلعة ، ومن سلامتها من
العيوب ، أو كانوا على علم بالعيب ، أو بما في المبيع ، فغروا المشتري به .
وينظر: "الوساطة التجارية "، (ص 279- 282) .
وفي "المدونة" (3/370): " قيل لمالك: أفرأيت ما يستأجر الناس من النخاسين الذين
يبيعون لهم الرقيق ، ويجعلون لهم الجُعل على ما يبيعون من ذلك ، والذين يبيعون
المواريث ، ومثل هؤلاء الذين يبيعون للناس ، يجعل لهم في ذلك الجعل ، فيبيعون ،
والذي يبيع فيمن يزيد في غير ميراث ، أو يستأجر على الصياح ، فيوجد من ذلك شيء
مسروق أو خرق أو عيب؟
قال: ليس على واحد من هؤلاء ضمان ، وإنما هم أجراء ، أجَّروا أنفسهم وأبدانهم ،
وإنما وقعت العهدة على أرباب السلع فليتبعوهم ، فإن وجدوا أربابها ، وإلا لم يكن
على هؤلاء الذين وصفت لك تِباعة فيما باعوا" انتهى..
والله أعلم.
تعليق