الحمد لله.
القول بأن القلب كعبة ، والمعبود سبحانه لا يرضى بمزاحمة الأصنام ، لا يعرف عن
السلف ، وإنما يطلقه بعض العلماء في كلام الوعظ والإرشاد ليبين للناس أن قلب العبد
ينبغي أن يكون لله تعالى ، فيحب لله ، ويبغض لله ، ويوالي في الله ويعادي في الله ،
ويخشى الله ويرجو رضاه ويعمل لأجله ، ولا يزاحمه فيه حب أو قصد أو إرادة ، لأن هذه
المزاحمة تكون أحيانا مخالفة لعبودية العبد التي يجب أن تكون للرب لا لغيره ، فيحب
أشياء تزاحم محبة الله ، حتى يصير عبدا لها ؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : (
تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ وَالْقَطِيفَةِ وَالْخَمِيصَةِ ، إِنْ
أُعْطِيَ رَضِيَ وَإِنْ لَمْ يُعْطَ لَمْ يَرْضَ ) رواه البخاري (6435) .
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله :
" قَوْله ( عَبْد الدِّينَار ) أَيْ طَالِبه الْحَرِيص عَلَى جَمْعه ، الْقَائِم
عَلَى حِفْظه , فَكَأَنَّهُ لِذَلِكَ خَادِمه وَعَبْده .
قَالَ الطِّيبِيُّ : قِيلَ خُصَّ (الْعَبْد) بِالذِّكْرِ ، لِيُؤْذَن بِانْغِمَاسِهِ
فِي مَحَبَّة الدُّنْيَا وَشَهَوَاتهَا، كَالْأَسِيرِ الَّذِي لَا يَجِد خَلَاصًا ,
وَلَمْ يَقُلْ مَالِك الدِّينَار ، وَلَا جَامِع الدِّينَار ؛ لِأَنَّ الْمَذْمُوم
مِنْ الْمِلْك وَالْجَمْع: الزِّيَادَةُ عَلَى قَدْر الْحَاجَة .
وَقَوْله ( إِنْ أُعْطِىَ إِلَخْ ) يُؤْذِن بِشِدَّةِ الْحِرْص عَلَى ذَلِكَ .
وَقَالَ غَيْره : جَعَلَهُ عَبْدًا لَهُمَا لِشَغَفِهِ وَحِرْصه ؛ فَمَنْ كَانَ
عَبْدًا لِهَوَاهُ : لَمْ يَصْدُق فِي حَقّه ( إِيَّاكَ نَعْبُد ) فَلَا يَكُون مَنْ
اِتَّصَفَ بِذَلِكَ صِدِّيقًا " انتهى من "فتح الباري" (11/245).
وكذلك ليقوم العبد المؤمن بتطهير قلبه ، كما يؤمر بتطهير الكعبة بيت الله ، قال تعالى : ( وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ ) الحج/ 26 .
وممن وقفنا على استعماله لهذه العبارة : ابن القيم رحمه الله ، قال :
" إِطْلَاق الْبَصَر ينقش قي الْقلب صُورَة المنظور، وَالْقلب كعبة، والمعبود لَا
يرضى بمزاحمة الْأَصْنَام " انتهى من "الفوائد" (ص 67) .
وهذا الكلام أخذه ابن القيم من ابن الجوزي رحمه الله ؛ في كتابه "المدهش" (ص 363) .
ومثل هذا يقال من باب المجاز ، وضرب الأمثال ، وتقريب المراد من ذهن الإنسان ؛ وللتوسع في العبارات في مثل ذلك مجال .
والله تعالى أعلم .
تعليق