الحمد لله.
الوارد في السؤال ليس بحديث نبوي شريف بنصه ولفظه، وإنما هو شرح وتوضيح للصراط الذي هو إحدى محطات الآخرة، مجموع من أحاديث عديدة وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن صحابته الكرام.
ومن تلك الأحاديث ما ورد عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال – في جزء من حديث طويل -:
(ثُمَّ يُؤْتَى بِالْجَسْرِ فَيُجْعَلُ بَيْنَ ظَهْرَيْ جَهَنَّمَ.
قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا الجَسْرُ؟
قَالَ: مَدْحَضَةٌ مَزِلَّةٌ [أي موضع الزلل]، عَلَيْهِ خَطَاطِيفُ، وَكَلاَلِيبُ،
وَحَسَكَةٌ [نبات له ثمر خشن يتعلق بأصواف الغنم وربما اتخذ مثله من حديد وهو من آلات الحرب]،
مُفَلْطَحَةٌ [فيه اتساع ، وهو عريض] ،
لَهَا شَوْكَةٌ عُقَيْفَاءُ، تَكُونُ بِنَجْدٍ، يُقَالُ لَهَا: السَّعْدَانُ.
المُؤْمِنُ عَلَيْهَا كَالطَّرْفِ، وَكَالْبَرْقِ، وَكَالرِّيحِ، وَكَأَجَاوِيدِ الخَيْلِ وَالرِّكَابِ.
فَنَاجٍ مُسَلَّمٌ، وَنَاجٍ مَخْدُوشٌ، وَمَكْدُوسٌ فِي نَارِ جَهَنَّمَ، حَتَّى يَمُرَّ آخِرُهُمْ يُسْحَبُ سَحْبًا.
فَمَا أَنْتُمْ بِأَشَدَّ لِي مُنَاشَدَةً فِي الحَقِّ، قَدْ تَبَيَّنَ لَكُمْ مِنَ المُؤْمِنِ يَوْمَئِذٍ لِلْجَبَّارِ)
رواه البخاري في "صحيحه" (رقم7439)، ومسلم في "صحيحه" (رقم183)
زاد مسلم: قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: (بَلَغَنِي أَنَّ الْجِسْرَ أَدَقُّ مِنَ الشَّعْرَةِ، وَأَحَدُّ مِنَ السَّيْفِ). وبيان معاني الكلمات نقلناه عن "فتح الباري" (13/429)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:
(فَيُضْرَبُ الصِّرَاطُ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ جَهَنَّمَ، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَنْ يَجُوزُ مِنَ الرُّسُلِ بِأُمَّتِهِ، وَلاَ يَتَكَلَّمُ يَوْمَئِذٍ أَحَدٌ إِلَّا الرُّسُلُ، وَكَلاَمُ الرُّسُلِ يَوْمَئِذٍ: اللَّهُمَّ سَلِّمْ سَلِّمْ. وَفِي جَهَنَّمَ كَلاَلِيبُ مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، هَلْ رَأَيْتُمْ شَوْكَ السَّعْدَانِ؟ قَالُوا: نَعَمْ. قَالَ: فَإِنَّهَا مِثْلُ شَوْكِ السَّعْدَانِ، غَيْرَ أَنَّهُ لاَ يَعْلَمُ قَدْرَ عِظَمِهَا إِلَّا اللَّهُ، تَخْطَفُ النَّاسَ بِأَعْمَالِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُوبَقُ بِعَمَلِهِ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُخَرْدَلُ ثُمَّ يَنْجُو)
رواه البخاري في "صحيحه" (رقم806)، ومسلم في "صحيحه" (رقم182)
وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( وترسل الأمانة والرحم ، فَتَقُومَانِ جَنَبَتَيِ الصِّرَاطِ يَمِينًا وَشِمَالاً، فَيَمُرُّ أَوَّلُكُمْ كَالْبَرْقِ. قَالَ: قُلْتُ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ شَيْءٍ كَمَرِّ الْبَرْقِ؟ قَالَ: أَلَمْ تَرَوْا إِلَى الْبَرْقِ كَيْفَ يَمُرُّ وَيَرْجِعُ فِي طَرْفَةِ عَيْنٍ؟ ثُمَّ كَمَرِّ الرِّيحِ، ثُمَّ كَمَرِّ الطَّيْرِ، وَشَدِّ الرِّجَالِ، تَجْرِي بِهِمْ أَعْمَالُهُمْ وَنَبِيُّكُمْ قَائِمٌ عَلَى الصِّرَاطِ يَقُولُ: رَبِّ سَلِّمْ سَلِّمْ. حَتَّى تَعْجِزَ أَعْمَالُ الْعِبَادِ، حَتَّى يَجِيءَ الرَّجُلُ فَلاَ يَسْتَطِيعُ السَّيْرَ إِلاَّ زَحْفًا، قَالَ: وَفِي حَافَتَيِ الصِّرَاطِ كَلاَلِيبُ مُعَلَّقَةٌ مَأْمُورَةٌ بِأَخْذِ مَنِ اُمِرَتْ بِهِ، فَمَخْدُوشٌ نَاجٍ، وَمَكْدُوسٌ فِي النَّارِ. وَالَّذِي نَفْسُ أَبِي هُرَيْرَةَ بِيَدِهِ إِنَّ قَعْرَ جَهَنَّمَ لَسَبْعُونَ خَرِيفًا) رواه مسلم في "صحيحه" (رقم401-402)
يقول الإمام القرطبي رحمه الله ، في الرد على من تأول ما ورد في وصف الصراط :
" ... القادر على إمساك الطير في الهواء ، قادر على أن يمسك عليه المؤمن ، فيجريه أو يمشيه، ولا يعدل عن الحقيقة إلى المجاز إلا عند الاستحالة، ولا استحالة في ذلك، للآثار الواردة في ذلك، وثباتها بنقل الأئمة العدول (ومن لم يجعل الله له نوراً فما له من نور)" انتهى من "التذكرة بأحوال الموتى وأمور الآخرة" (ص: 758)، وفي طبعة دار المنهاج، تحقيق الدكتور الصادق بن إبراهيم (2/757-758)
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"إن هذا هو الصراط المستقيم؛ الذي هو أحد من السيف؛ وأدق من الشعر ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور" انتهى من "مجموع الفتاوى" (4/375)
ويقول الإمام السخاوي رحمه الله:
".. وعلى كل حال، فنقل أبي سعيد المشار إليه قد ورد تصريح الرفع عن غيره، من طرق متعددة، يقوي بعضها بعضًا، بل أورد الحاكم في مستدركه على الصحيحين بعضها، فأخرج البيهقي وابن المبارك وابن أبي الدنيا وغيرهم جميعًا من حديث عبيد بن عمير رفعه مرسلاً: (الصراط على جهنم مثل حرف السيف)، وكذا أخرج البيهقي وشيخه الحاكم عن ابن مسعود مرفوعًا: (والصراط كحد السيف) والبيهقي وحده من حديث زياد النميري عن أنس مرفوعًا: (الصراط كحد الشعرة أو حد السيف). ومن حديث يزيد الرقاشي عن أنس رفعه أيضًا: (إنه أدق من الشعرة، أحد من السيف) ولأبي يعلي وابن منيع في مسنديهما عن أبي هريرة مرفوعًا: (الصراط كحد السيف). ولأحمد بن حنبل في مسنده من حديث القاسم عن عائشة في حديث مرفوع ، أصله عند أبي داود من حديث الحسن البصري عنها: (ولجهنم جسر، أدق من الشعر، وأحد من السيف)، ولابن أبي الدنيا من حديث رجل من كندة عنها مرفوعًا في حديث: (أن الصراط يستحد حتى يكون مثل شفرة السيف، ويسجر حتى يكون مثل الجمرة). ومن حديث أبي عثمان النهدي عن سلمان الفارسي أنه قال: (يوضع الصراط يوم القيامة وله كحد الموس)، وحكمه الرفع ... " انتهى باختصار من "الأجوبة المرضية فيما سئل السخاوي عنه من الأحاديث النبوية" (3/ 905-907)
والخلاصة : أن ما ورد في السؤال ثابت المضمون المجمل، صحيح المعاني ، وبعض الألفاظ، وليس بجميع الكلمات والسياقات، وبيان ذلك في الأحاديث النبوية التي سقناها من صحيحي البخاري ومسلم، فمن يقرؤها يدرك ما يكفي إن شاء الله لتصور العظة والعبرة عن "الصراط" الذي هو إحدى محطات الآخرة.
والله أعلم.
تعليق