الحمد لله.
عبارة : " الورد كان شوك من عرق النبي فتَّح " .
هذه العبارة يقصد بها مدح النبي صلى الله عليه وسلم ، وأن عرقه ، من طيبه بلغ درجة أن الورد منه تفتح ، بعد أن كان شوكا .
فأما كون عرق النبي صلى الله عليه وسلم كان ذا رائحة طيبة : فهذا أمر ثابت كما في حديث أَنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: ( مَا مَسِسْتُ حَرِيرًا وَلاَ دِيبَاجًا أَلْيَنَ مِنْ كَفِّ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ شَمِمْتُ رِيحًا قَطُّ ، أَوْ عَرْفًا قَطُّ : أَطْيَبَ مِنْ رِيحِ أَوْ عَرْفِ النَّبِيِّ ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) . رواه البخاري (3561) ومسلم (2330) .
ورواه الترمذي (2015) بلفظ : ( ... وَلَا شَمَمْتُ مِسْكًا قَطُّ وَلَا عِطْرًا كَانَ أَطْيَبَ مِنْ عَرَقِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ) .
أما مدح النبي صلى الله عليه وسلم بهذه العبارة ، فالذي يظهر تركه ، لما فيه من الغلو ، والقول المخالف للواقع ؛ فالورد لم يتفتح من عَرَق النبي صلى الله عليه وسلم ، رغم أنه أطيب من الطيب ؛ وشأنه أطيب من ذلك ، ومقامه أجل من ذلك ، لكن هذا ليس واقعا ، ولم يحدث ، وإنما هو من باب المغالاة ، والغلو في المدح ؛ وقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن المبالغة في مدحه بما ليس بصحيح .
عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أنه سَمِعَ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَقُولُ عَلَى المِنْبَرِ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ( لاَ تُطْرُونِي، كَمَا أَطْرَتْ النَّصَارَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُهُ، فَقُولُوا عَبْدُ اللَّهِ، وَرَسُولُهُ ) رواه البخاري (3445) .
قال ابن الأثير رحمه الله تعالى :
" الإطراء: مجاوزة الحد في المدح، والكذب فيه " انتهى . "النهاية في غريب الحديث" (3 / 123).
ولعل بعض من ألف مثل هذا المديح ، أو الغناء ، إنما أخذه من حديث مكذوب على النبي صلى الله عليه وسلم ، وفيه :
( خلق الورد الأحمر من عرق جبريل ليلة المعراج، وخلق الورد الأبيض من عرقي، وخلق الورد الأصفر من عرق البراق ) .
قال الشيخ الألباني رحمه الله تعالى : موضوع.
رواه ابن عساكر (4 / 236 / 1) عن الحسن بن عبد الواحد القزويني: أخبرنا هشام بن عمار: أخبرنا مالك عن الزهري عن أنس مرفوعا.
قلت: وهذا حديث موضوع آفته القزويني هذا قال الذهبي:
" روى في خلق الورد الأحمر خبرا كذبا، وهو غير معروف ".
وقال ابن عساكر عقب الحديث:
" قرأت بخط عبد العزيز الكتاني: قال لي أبو النجيب الأرموي: " هذا حديث موضوع، وضعه من لا علم له، وركبه على هذا الإسناد الصحيح ".
وأقره الحافظ ابن حجر في " لسان الميزان ". " انتهى . "سلسلة الأحاديث الضعيفة" (2 / 187) .
والله أعلم .
تعليق