الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

يعيش وحيدا بدون عمل فيلقي بسخطه على الإسلام!

256489

تاريخ النشر : 17-12-2016

المشاهدات : 6892

السؤال

أنا أفقد الأمل في الإسلام، بسبب طول مدة الصعوبات. في السنوات الثانية أو الثلاثة عشر الماضية لم أستطع إيجاد زوجة، أو عمل. نظراً لمدة الوقت الذي أقضيه وحدي، تسلط عليّ الشيطان وعَمِلَ أعماله بي. أنا أعيش وحيداً، ليس لي شريكة حياة، لا عمل، لا نقود وكثير من وقت الفراغ. باستثناء مكالمات الهاتف الغير معتادة بين الحين والحين، يمكن أن يمر عليّ من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع دون أن أقوم بمحادثة وجهاً لوجه مع أي شخص. أنا أفقد الأمل في الإسلام. أرجوكم قولوا لي ماذا أفعل؟

الجواب

الحمد لله.

إذا أردتنا أن نخلص لك النصح والتوجيه، فلا بد أن نقرر حقيقة مهمة في مطلع جوابنا، وهي أنك – مهما تكالبت عليك قساوة الدنيا – فإياك أن تلقي بسخطك على دينك الذي هو آخر ما يتبقى لك من هذه الدنيا، وأنت تعلم وتوقن أنه لا شأن له في ظرفك وما يحيط بك؛ لأنك تجد من التعساء البائسين ما يزيد على بؤسك وعوزك، وهو على غير دينك، كما أنك تجد في الناس من يعيش في النعيم، ويحيا في السعادة، وقد يكون مسلما أو غير مسلم.

فأي شأن للدين فيما ذكرت من أحوالك ؟ لا ندري!

بل إننا لنعجب كيف تمكن عقلك من إلقاء اللوم على الدين، وكيف تسلل العتب على الدين وأنت تعلم أن ما أصابك لم يكن لأجل ديانتك، وإنما لأجل ما يحيط بك من واقع مرير، لا تمر به وحدك، بل يعيشه الملايين غيرك في العالم كله ، وهذا ـ جزء ـ من تجربة الابتلاء والاختبار، التي قدرها الله على عباده في هذا الكون ، في حياتهم الدنيا ، لينظر كيف يكون أمرهم في ذلك الاختبار ؟ وهل ينجحون فيه أو يرسبون ؟ وهل تختلط مفاهيمهم ، ويضطرب يقينهم ، ويتزعزع إيمانهم ، أو يبقى ـ على السراء والضراء ـ ثابتا ، موقنا برب العالمين .

فتأمل هذه الآيات الكريمات يا عبد الله :

( تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك/1-2

( وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ ) الأنعام/165

( كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ) الأنبياء/35

وأشباهها ، ونظائرها ، وما في معناها كثير .. كثير ، في القرآن الكريم .

وتأمل ـ أيضا ـ قول الله تعالى ، وهو يبين حقيقة هذا الابتلاء بالخير والشر ، وأن أيا منهما ليس دليلا على غضب الله ، أو رضاه عن عبده ، في هذه الحياة الدنيا ، وإنما الحكمة من ذلك كله : اختبار الله تعالى لعباده ، هل يطيعونه فيما أمرهم ، ونهاهم ، أو يعصون ، ويعرضون :

(  فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ (15) وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ (16) كَلَّا بَلْ لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ (17) وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ (18) وَتَأْكُلُونَ التُّرَاثَ أَكْلًا لَمًّا (19) وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) الفجر/15-20

وينظر للفائدة جواب السؤال رقم: (179441).

وإذا كنت تتابع وسائل الإعلام، فنرجو أن تبحث في الإنترنت عن مقاطع الفيديو للمشردين عبر العالم، وللمضطهدين والمقهورين والمستضعفين، ونرجو أن تسمح لطرفك أن يقف متأملا أحوال أولئك الذين يعيشون الخوف والرعب في كل لحظة ، وكل ساعة من ليل أو نهار، تحت قصف أعدائهم، يموت أطفالهم وأحبابهم أمام ناظريهم تحت الأنقاض، ولا يملكون لهم نفعا ولا ضرا، ويجوع آخرون تحت الحصار حتى يموت أبناؤهم جوعا ، بعد أن تتقلص أبدانهم فتغدو جلدا على عظيم، لا مزعة لحم عليها ولا حرارة دم فيها، وآخرون ، وآخرون .

وتجول جولة يسيرة في أقسام الحوادث في المستشفيات ، وأقسام الأورام ، وأقسام ، وأقسام ؛ واحمد الله على العافية ، يا عبد الله .

أنواع البلاء لا عد لها ولا حصر، فإياك أن تقول إن كل الناس أيسر مني بلاء، فلعلك لم تُصَب بمصابهم حتى تدرك حقيقة ما هم عليه من أوجاع وآلام وأمراض ، لا يجدون لها علاجا ولا حتى مهدئا ومسكنا، كل ذلك نُذكِّرك به – ونُذكِّر أنفسنا – كي لا يتملك علينا اليأس فيفقدنا قدرتنا على التفكر والتأمل، ونخبط خبط عشواء في هواجسنا فنسخط على أنفسنا وأدياننا!

ونحن ندرك أننا مهما كتبنا لك من كلمات، وسطرنا إليك من نصائح، فلن يجدي ذلك نفعا حقيقيا لك إلا أن تتخذ قرارك من داخلك، وتصدر من قرارة نفسك عن إرادة حقيقية للتغيير، تبدؤها بمحو كلمة اليأس من قاموسك، وترك كل أوهام الضعف والعجز والفشل من مخيلتك، وتستمر في البحث والتفتيش عن أسباب النجاح وبوادر الأمل، ولكن هذه المرة تحاول أن تنوع الأساليب، وتغير الطرائق، وترضى بالقليل، وتصر على سلوك الطريق إلى آخره، لعل الله عز وجل يفتح لك من خزائن خيري الدنيا والآخرة.

والنصيحة لك – أثناء سعيك في نجاة نفسك – أن لا يكون همك وجميع وَكْدِك – شعور النقص الذي تبحث عن التخلص منه بالمال والأعمال، بل لا بد أن يكون همك هو رضا النفس، وسكينة البال، والقناعة بالقليل، والعيش بطمأنينة وسكينة، سواء عشت في القصور أم عشت في الأزقة والدون من البيوت ، لا فرق، المهم أن تملأ نفسك من الرضا والتعلق بالله، فتستصغر مع الله كل آلام الدنيا وشقائها، وتستعين على ذلك ببذل الأسباب، وأنت توقن أنها مجرد أسباب، تؤديها بإتقان وصدق، لا بشغف وتعلق، فإنما التعلق بالله سبحانه، لا بشيء سواه.

واعلم أن سؤالك هذا قد وصلنا مضمونه أيضا من بعض الأغنياء، الذين لا يكادون يحصرون ما لديهم من أموال وأملاك، ولكنهم في الوقت نفسه يفقدون أهم أسباب السعادة، ولا يجدون في قلوبهم ما تحدثنا عن آنفا من القناعة وحب الله وطلب الدار الآخرة !!

إن من يطلب الخلود في الجنان لا يضره ما في الدنيا من أحزان، ومن يملك هم الآخرة عليه قلبه تهون عليه جميع آلام الدنيا، ومن شغله حب الله لم يجد فسحة في قلبه لحب ما سواه، والله عز وجل يقول: ( وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) [القصص: 77].

وقال صلى الله عليه وسلم: (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ أَسْلَمَ وَرُزِقَ كَفَافًا وَقَنَّعَهُ اللَّهُ بِمَا آتَاهُ) رواه مسلم (1054).

وقال عليه الصلاة والسلام: (مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ آمِنًا فِي سِرْبِهِ ، مُعَافًى فِي جَسَدِهِ ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا) رواه البخاري في "الأدب المفرد" (رقم/300) والترمذي في "السنن" (2346) وقال : حسن غريب. وحسنه الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/2318).

ونختم نصيحتنا بتوجيهك إلى أهل الخير والصلاح من أهل المساجد، والدعاة إلى الله، فهؤلاء من يمكنهم إعانتك على الحق وطريق الخير، وعلى الاشتغال بما ينفعك في دينك ودنياك، فتملأ حياتك بالطاعة والعبادة والعمل النافع، لعله يكون لك يوما شأن في التأثير في الناس، وإعانتهم على تجاوز أحوالهم إلى خير حال.

ولعل الله أن يجعل لك في ذلك فرجا ومخرجا ، ويرزقك بالأمر الذي تطيب به نفسك ..

ومن يدري ؟!

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب