الثلاثاء 25 جمادى الأولى 1446 - 26 نوفمبر 2024
العربية

هبة المشاع وكيف تقبض ؟

257136

تاريخ النشر : 16-12-2016

المشاهدات : 17034

السؤال


والدي ووالدتي وخالتي اشتروا فيلا من ٥٠ سنة ، وكتبوها باسم أمي وخالتي وأنا ، خالتي كتبت نصف نصيبها لأخي في الحال ، وقبل ١٧ سنة كتبت لي النصف الاخر بيعا و شراءً بعقد مسجل في الشهر العقاري ، ولكني قلت لها : إني لا أريده ، واعتبرت هذا نصيبها ، حتي وإن كانت قد كتبته لي ؛ حتي لا أحرمها ، وبعد مرور ما يقرب من 17 عاما ، وقبل وفاتها ـ حيث كانت مريضة بالسرطان ـ سألتها ماذا تريد أن أفعل في هذا النصيب إذا بعنا الفيلا ، فقالت لي : أخرج جزءً زكاة ، وجزءً صدقة ، وجزء هدية لبعض الأقارب ، و ما يتبقي أهديه لأختها ، التي هي أمي . فهل هناك أي إثم علي خالتي ؟ ويجب أن أنفذ الوصية في حدود الثلث فقط ؟ أم إنه لا إثم عليها ، حيث إنها أهدتني هذا الجزء في حياتها ، ومنذ زمن بعيد ، وبالتالي فهو ملك وحق لي ، وأنفذ ما قالت خالتي : بأن أعطي ما تبقي لأمي. مع العلم أن خالتي مطلقة ، ولم يكن لها أولاد ، وكنت أنا وأخي بمثابة أولادها ، وكانت تعتبر أنها تدين لوالدي الذي توفي ونحن صغار بالكثير، ولذلك أرادت أن تعوضنا بإهدائنا نصيبها من الفيلا ، أنا أريد أن أفعل ما يرضي الله عز وجل ، و ألا يكون هناك إثم علي خالتي ، ولا علي .

الجواب

الحمد لله.



أولا:
ما قامت به خالتك من كتابة نصف نصيبها لأخيك ، والنصف الآخر لك، هو من هبة المشاع، وفيها خلاف، والجمهور على صحة هبة المشاع ، خلافا للحنفية.
جاء في " الموسوعة الفقهية " (42/ 128): "هبة الشيء المشاع.
وللفقهاء في جوازها قولان:
الأول: أن هبة المشاع جائزة كالبيع ، فيسلم الواهب جميع الشيء الموهوب إلى الموهوب له ، يستوفي منه حقه، ويكون حق الشريك في يده وديعة، وقيل: إن قبضه لينتفع به فإعارة، وهذا مذهب المالكية والشافعية والحنابلة.
وحجتهم كما قال ابن رشد: أن القبض في هبة المشاع غير المقسوم : يصح ، كالقبض في بيع المشاع غير المقسوم...

القول الثاني: جواز هبة المشاع فيما لا يقسم ، وعدم جواز هبة المشاع الذي يقسم، ولا فرق بين هبة المشاع لأجنبي أو للشريك، وهذا مذهب الحنفية...
واحتجوا أيضا بأن القبض شرط جواز العقد، والشيوع يمنع القبض لأن معنى القبض هو التمكن من التصرف في المقبوض، والتصرف في النصف الشائع وحده لا يتصور، وهكذا يقال في المشاع الذي لا يقسم أيضا، لكن جوزنا هبته للضرورة لأنه يحتاج إلى هبة بعضه، ولا حكم للهبة بدون القبض، والشيوع مانع من القبض، ولا سبيل لإزالة المانع بالقسمة لتعذر قسمته - كالدابة - فمست الضرورة إلى الجواز وإقامة صورة التخلية مقام القبض، ولا ضرورة فيما يمكن قسمته لإمكان إزالة المانع" انتهى.

ثانيا:
الهبة لابد فيها من القبول ، ولا تلزم شرعا إلا بالقبض، وإن مات الواهب قبل قبض الموهوب لها، كانت من التركة .
فهنا مسألتنان:
الأولى: قبول الهبة باللفظ أو بما يدل عليه ، فإذا كنت لم تقبلي الهبة من خالتك ـ كما هو الظاهر من سؤالك ـ ، فإنه لا حق لك فيها ، ولا عبرة بما كتب من بيع، فإن الحقيقة أنها هبة، ولم يتم فيها القبول.
والثاني: قبض الهبة.
فإن كنت قد قبلت الهبة ابتداء، فينظر في مسألة القبض.
وقبض الجزء المشاع يكون بقبض الكل عند الشافعية والحنابلة. ويكون عند المالكية بقبض الحصة المشاعة بأن يضع يده عليها مع بقية الشركاء.
جاء في "الموسوعة الفقهية" (32/ 274): "غير أن جمهور الفقهاء مع اتفاقهم على صحة قبض الحصة الشائعة، وعدم منافاة الشيوع لصحة القبض ، اختلفوا في كيفية قبض الحصة الشائعة:
أ - فذهب الشافعية والحنابلة إلى أن قبض الحصة الشائعة : يكون بقبض الكل.
فإذا قبضه كان ما عدا حصته أمانة في يده لشريكه ، لأن قبض الشيء يعني وضع اليد عليه والتمكن منه ، وفي قبضه للكل وضع ليده على حصته وتمكن منها.
قالوا: ولا يشترط لذلك إذن الشريك إذا كان الشيء مما يقبض بالتخلية. أما إذا كان مما يقبض بالنقل والتحويل، فيشترط إذن الشريك، لأن قبضه بنقله، ونقله لا يتأتى إلا بنقل حصة شريكه مع حصته، والتصرف في مال الغير بدون إذنه لا يجوز...
ب - وقال المالكية: قبض الحصة الشائعة يكون بوضع يده عليها ، كما كان صاحبها يضع يده عليها مع شريكه، ... فلو وهب رجل نصف داره، وهو ساكن فيها، فدخل الموهوب له ، فساكنه فيها، وصار حائزا بالسكنى ، والارتفاق بمنافع الدار، والواهب معه في ذلك على حسب ما يفعله الشريكان في السكنى : فذلك قبض تام، وكذلك كل من وهب جزءا من مال أو دار، وتولى احتياز ذلك مع واهبه ، وشاركه في الاغتلال والارتفاق، فهو قبض" انتهى.

ولم يتبين من سؤالك : هل كنتم تسكنون في هذه الفيلا أم لا ؟
فإن كنتم تسكنون فيها، فالقبض قد حصل، ولزمت الهبة، ولم يجز لخالتك الرجوع فيها.

وإن كنتم لم تسكنوا فيها، ولم تباشري فيها تصرفا كتصرف الملاك ، كتأجير نصيبك ، وأخذ الأجرة ، فالهبة لم تقبض، وتكون من جملة التركة.

وما ذكرت من قول خالتك عن إخراج الزكاة والصدقة وإعطاء الباقي هدية لوالدتك، يفهم منه أنها اعتبرت الهبة لاغية في حقك ؛ إما لأنك لم تقبليها منها ابتداء ، أو لم تقبضيها منها قبضا صحيحا ؛ وإما لأنك بعد قبول الهبة ، رأيت أن من المصلحة أن يبقى هذا النصيب لخالتك ، وفي ملكها ، فوهبتيه لها مرة أخرى ، وقبلت هي منك هذه الهبة .

فإذا كان الأمر كذلك ، فهو تصرف صحيح منكما ، لأنها لم ترجع هي في هبتها لك ، ولم تطلبها منك ، وإنما أنت من قمت بهبتها لها مرة أخرى ، رعاية لمصلحتها .
وحينئذ ، فيكون هذا الجزء : من جملة ميراث خالتك .
ثانيا:
يلزم قضاء الديون التي على خالتك قبل تنفيذ وصيتها ، وتقسيم تركتها، إن كان عليها ديون . ويدخل في الديون ما عليها من زكاة أو كفارات لم تخرجها، لقوله تعالى: ( مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَارٍّ ) النساء/12 .
وروى الترمذي (2094) ، وابن ماجه (2715) عَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ قَالَ: " إِنَّكُمْ تَقْرَءُونَ هَذِهِ الآيَةَ: مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ [النساء: 12] ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَضَى بِالدَّيْنِ قَبْلَ الوَصِيَّةِ " وحسنه الألباني في "صحيح الترمذي".

هذا إذا كان لها مال تجب فيه الزكاة ، ولم تكن قد أخرجتها ، كما يفهم من طلبها أن يخرج جزء زكاة ، وجزء صدقة ..
وأما إذا لم يكن لها مال إلا ثمن هذه الفيلا المذكورة : فهذا ليس فيه زكاة أصلا ، حتى تباع بالفعل ، ويحول عليه الحول في يد مالكه . وهو ما لم يحصل في حياتها . فلا تجب عليها زكاة ، ويكون قولها : "جزء زكاة" ، هو نفس مرادها بالصدقة ، ويصرف في مصارفها .
ثالثا:
ما ذكرته من الصدقة والهدية لبعض الأقارب، ولوالدتك، يعتبر وصية، ويراعى فيها أمران:
الأول: أن الوصية تكون من ثلث التركة. ولا يتجاوز بها ذلك إلا إذا رضي الورثة.
والثاني: أن الوصية لوارث لا تجوز، ولا تمضي إلا بإجازة الورثة.

ووالدتك قد تكون وارثة ، فينطبق عليها ما ذكرنا، فلا تمضي لها الوصية إلا بموافقة سائر الورثة ، فإن لم يوافقوا فلها نصيبها من الميراث فحسب .

وقد لا تكون وارثة ، إذا كان جدك حيا، نعني والد خالتك.

ومسألة الإرث تحتاج إلى حصر الورثة ومعرفة من يرث ومن لا يرث.
والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب