الحمد لله.
أولا :
نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن النذر لما فيه تكليف المسلم نفسه أمرا ليس بواجب عليه في الأصل ، وأرشد إلى أن من أحب أن يطيع الله فليطعه بغير نذر ، ولذلك أخبر صلى الله عليه وسلم بأن النذر لا يُعجّل تحصيل المطلوب ، ولا يرد من القدر شيئا .
قال ابن عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنِ النَّذْرِ، وَقَالَ : ( إِنَّهُ لاَ يَرُدُّ شَيْئًا، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِهِ مِنَ البَخِيلِ )
وفي رواية : ( إِنَّ النَّذْرَ لَا يُقَدِّمُ شَيْئًا وَلَا يُؤَخِّرُ، وَإِنَّمَا يُسْتَخْرَجُ بِالنَّذْرِ مِنْ الْبَخِيلِ) رواه البخاري (6692) ، ومسلم (1639) .
فمن اختار لنفسه بعد ذلك النذر وجبَ عليه تحمل ما التزمه ، طاعة لله تعالى ، يحتسب أجره عنده سبحانه وتعالى .
وينظر جواب السؤال (36800) .
ثانيا :
أما نذرك الأول وهو الأضحية ، فنذر طاعة وقربة يجب الوفاء به ؛ قال صلى الله عليه وسلم ( مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلا يَعْصِهِ ) رواه البخاري (6202) .
جاء في "الإنصاف" (11/130): " متى وجد شرطه: انعقد نذره ، ولزمه فعله ؛ بلا نزاع "انتهى.
وقد أحسنت في وفائك به .
وأما نذرك الثاني : وهو دعوة أصدقائك على وجبة الغداء ، فنذر مباح ، وقد قرر العلماء أن من نذر أمرا مباحا ، فإنه لا يجب الوفاء به ؛ لأن عزومة الأصدقاء أمر مباح في أصله .
وسواء كنت نذرت أن تذبح لهم ، أو كنت نذرت أن تجمعهم على طعام من غير ذبح ، فكل ذلك من " نذر المباح " وأنت فيه مخيّر ، فإما أن توفي بما كنت التزمت به ، وحينئذ ، لا يلزمك أن تدعو جميع أصدقائك ، بل أعلمهم بالموعد الملائم لهم ، أو لغالبهم ، ويكفيك ذلك في الوفاء بنذرك ، ولو تخلف منهم من تخلف .
وإما أن تخرج بدلا عن ذلك كفارة يمين ؛ لأن نذر المباح لا يجب الوفاء به بإجماع العلماء .
وينظر جواب السؤال (246843) .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في رجل قال : لله علي نذر أن ألبس هذا الثوب :
" إن شئت البس الثوب، وإن شئت فكفر كفارة يمين، ومن هذا النوع ما يفعله بعض الناس يقول: إذا نجحت فللَّه علي نذر أن أذبح شاة، فهل يلزمه أن يذبح الشاة، أو نقول: يخيَّر بين ذبحها وكفارة اليمين؟
في ذلك تفصيل، إذا كان قصد بذبح الشاة التصدق بها شكراً لله على النعمة فهذا طاعة، ويجب عليه أن يوفي به، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، وإذا قصد بذلك إظهار الفرح، ودعوة إخوانه وأصدقائه فهو يخير بين فعله وكفارة اليمين؛ لأن هذا من باب المباح وليس من باب الطاعة، أما لو قال: إن نجحت فللَّه علي نذر أن أصوم ثلاثة أيام، فهذا طاعة؛ لأن الصوم قربة، لكن ذبح الشاة، وأكل لحمها، والعزيمة عليها، هذا من قسم المباح" .
انتهى من " الشرح الممتع " (15/213) .
وسئل الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :
" نذرت نذرًا أنني لو نجحت في إتمام الدراسة فسأعمل وليمة لزميلاتي، ولكن حصل لي ظروف أشغلتني عن عمل تلك الوليمة وتناسيتها أيضًا، وإلى حد الآن لم أعملها مع العلم أنني دائمًا أنذر أو أنوي ولا آتي بذلك، فما الحكم؟ " .
فأجاب :
" ما ذكرت السائلة من أنها نذرت ، إذا حصل لها مقصودها : أن تعمل وليمة لزميلاتها، ولكنها لم تعملها :
إذا كان القصد منها عمل شيء مباح ، من الطعام والاجتماع للنساء، وليس فيها شيء من المنكرات : فهذا نذر عمل مباح ، تُخير بين فعله ، أو كفارة يمين، وهي إطعام عشرة مساكين أو كسوتهم، أو عتق رقبة، فإذا لم تقدر على واحدة من هذه الثلاثة فإنها تصوم ثلاثة أيام.
أما إذا كان هذا الحفل يشتمل على محرم ، أو على منكرات : فإنه لا يجوز الوفاء به، وعليها كفارة يمين ، كما ذكرنا، لأنه لا يجوز الوفاء بنذر المعصية وعلى الناذر له كفارة يمين عند بعض العلماء. " انتهى، "المنتقى من فتاوى الفوزان".
والله أعلم .
تعليق