الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم دراسة العلم الشرعي مع إرادة الشهادة والوظيفة

257882

تاريخ النشر : 26-05-2017

المشاهدات : 26170

السؤال

ما حكم دراسة تخصص الشريعة الاسلامية بنية تعلم علوم مفيدة ، وأيضا الاستفادة من الراتب في الدنيا بعد التخرج ؟ هل هذا شرك ؟ وهل هو ممن يبتغى به غير وجه الله بعلم الشريعة ؟ وهل هو ممن قال الله فيهم : يشترون به ثمنا قليلا ؟ أرجو الاجابة باستفاضة .

الجواب

الحمد لله.

ينبغي أن ينوي دارس الشريعة التقرب إلى الله تعالى بذلك، والتزود من العلم النافع، ورفع الجهل عن نفسه، ونفع المسلمين، إلى غير ذلك من النيات الصالحة التي ينال بها الأجر والرفعة عند الله تعالى.

ولا حرج أن ينوي مع ذلك نفعا دنيويا كالوظيفة والحصول على الراتب، فإن الله أباح طلب ذلك مع العبادات، كما أباح الاتجار وطلب المال في الحج، وأباح طلب الغنيمة في الجهاد.

والمحذور ألا يطلب الإنسان العلم إلا للدنيا، فهذا الذي فيه الوعيد الشديد، كما في قوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَنْ تَعَلَّمَ عِلْمًا مِمَّا يُبْتَغَى بِهِ وَجْهُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَتَعَلَّمُهُ إِلَّا لِيُصِيبَ بِهِ عَرَضًا مِنَ الدُّنْيَا، لَمْ يَجِدْ عَرْفَ الْجَنَّةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ) يَعْنِي رِيحَهَا. رواه أبو داود ( 3664) وابن ماجه (252) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

وروى الإمام أحمد (20715) عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَشِّرْ هَذِهِ الْأُمَّةَ بِالسَّنَاءِ وَالرِّفْعَةِ وَالدِّينِ وَالنَّصْرِ وَالتَّمْكِينِ فِي الْأَرْضِ ، فَمَنْ عَمِلَ مِنْهُمْ عَمَلَ الْآخِرَةِ لِلدُّنْيَا لَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ نَصِيبٌ ) وصححه الألباني في "صحيح الجامع" (2825) .

وهو وعيد لكل من أراد بعمل الآخرة الدنيا، لا يريد غيرها.

وأما من أراد الآخرة، وابتغى معها شيئا من الدنيا فلا حرج عليه.

قال تعالى: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذَا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ فَاذْكُرُوا اللَّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرَامِ) البقرة/198

قال ابن عباس في تفسيرها " لا حرج عليكم في الشراء والبيع قبل الإحرام وبعده " انتهى من تفسير الطبري (3/ 502).

قال القرافي رحمه الله :

" وَأَمَّا مُطْلَقُ التَّشْرِيكِ، كَمَنْ جَاهَدَ لِيُحَصِّلَ طَاعَةَ اللَّهِ بِالْجِهَادِ، وَلِيُحَصِّلَ الْمَالَ مِنْ الْغَنِيمَةِ: فَهَذَا لَا يَضُرُّهُ ، وَلَا يُحَرَّمُ عَلَيْهِ ، بِالْإِجْمَاعِ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ لَهُ هَذَا فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ .

وَكَذَلِكَ مَنْ صَامَ لِيَصِحَّ جَسَدُهُ ، أَوْ لِيَحْصُلَ لَهُ زَوَالُ مَرَضٍ مِنْ الْأَمْرَاضِ الَّتِي يُنَافِيهَا الصِّيَامُ ، وَيَكُونُ التَّدَاوِي هُوَ مَقْصُودُهُ ، أَوْ بَعْضُ مَقْصُودِهِ ، وَالصَّوْمُ مَقْصُودُهُ مَعَ ذَلِكَ ، وَأَوْقَعَ الصَّوْمَ مَعَ هَذِهِ الْمَقَاصِدِ ،لَا تَقْدَحُ هَذِهِ الْمَقَاصِدُ فِي صَوْمِهِ ، بَلْ أَمَرَ بِهَا صَاحِبُ الشَّرْعِ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنْ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ الْبَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) ؛ أَيْ : قَاطِعٌ .

وَمِنْ ذَلِكَ أَنْ يُجَدِّدَ وُضُوءَهُ وَيَنْوِيَ التَّبَرُّدَ أَوْ التَّنْظِيفَ ، وَجَمِيعُ هَذِهِ الْأَغْرَاضِ لَا يَدْخُلُ فِيهَا تَعْظِيمُ الْخَلْقِ ، بَلْ هِيَ تَشْرِيك أُمُورٍ مِنْ الْمَصَالِحِ لَيْسَ لَهَا إدْرَاكٌ ، وَلَا تَصْلُحُ لِلْإِدْرَاكِ وَلَا لِلتَّعْظِيمِ ، فَلَا تَقْدَحُ فِي الْعِبَادَاتِ .

نَعَمْ؛ لَا يَمْنَعُ أَنَّ هَذِهِ الْأَغْرَاضَ الْمُخَالِطَةَ لِلْعِبَادَةِ قَدْ تنْقصُ الْأَجْرَ ، وَأَنَّ الْعِبَادَةَ إذَا تَجَرَّدَتْ عَنْهَا زَادَ الْأَجْرُ وَعَظُمَ الثَّوَابُ .

أَمَّا الْإِثْمُ وَالْبُطْلَانُ: فَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ ، وَمِنْ جِهَتِهِ حَصَلَ الْفَرْقُ ، لَا مِنْ جِهَةِ كَثْرَةِ الثَّوَابِ وَقِلَّتِهِ " انتهى باختصار من "الفروق" (4 / 429-430) .

وقد سئلت اللجنة الدائمة للإفتاء : هل يجوز الدراسة الدينية من أجل الشهادة ؟

فأجابت : لا بأس أن يدرس لأخذ الشهادة ، وعليه أن يجاهد نفسه في إصلاح النية حتى تكون الدراسة لله وحده ، وأن يكون أخذ الشهادة ليستعين بها على طاعة الله ورسوله ، وخدمة المسلمين " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (12/103).

وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : يتحرج بعض طلبة العلم الشرعي عند قصدهم العلم والشهادة ، فكيف يتخلص طالب العلم من هذا الحرج ؟

فأجاب : " يجاب على ذلك بأمور :

أحدها : أن لا يقصدوا بذلك الشهادة لذاتها ، بل يتخذون هذه الشهادات وسيلة للعمل في الحقول النافعة للخلق ؛ لأن الأعمال في الوقت الحاضر مبنية على الشهادات ، والناس غالبا لا يستطيعون الوصول إلى منفعة الخلق إلا بهذه الوسيلة وبذلك تكون النية سليمة .

الثاني : أن من أراد العلم، قد لا يجده إلا في هذه الكليات، فيدخل فيها بنية طلب العلم ، ولا يؤثر عليه ما يحصل له من الشهادة فيما بعد .

الثالث : أن الإنسان إذا أراد بعمله الحسنيين، حسنى الدنيا ، وحسنى الآخرة : فلا شيء عليه في ذلك ؛ لأن الله يقول : ( وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً ) الطلاق/2 -3 ، وهذا ترغيب في التقوي بأمر دنيوي .

فإن قيل : من أراد بعمله الدنيا كيف يقال بأنه مخلص ؟

فالجواب : أنه أخلص العبادة ولم يرد بها الخلق إطلاقا ، فلم يقصد مراءاة الناس ومدحهم على عبادته ، بل قصد أمرا ماديا من ثمرات العبادة .

فليس كالمرائي الذي يتقرب إلى الناس بما يتقرب به إلى الله ، ويريد أن يمدحوه به .

لكنه بإرادة هذا الأمر المادي نقص إخلاصه ، فصار معه نوع من الشرك ، وصارت منزلته دون منزلة من أراد الآخرة إرادة محضة .

وبهذه المناسبة أود أن أنبه على أن بعض الناس عندما يتكلمون على فوائد العبادات يحولونها إلى فوائد دنيوية ؛ فمثلا يقولون في الصلاة رياضة وإفادة للأعصاب ، وفي الصيام فائدة لإزالة الفضلات وترتيب الوجبات ، والمفروض ألا تجعل الفوائد الدنيوية هي الأصل ؛ لأن ذلك يؤدي إلى إضعاف الإخلاص والغفلة عن إرادة الآخرة ، ولذلك بين الله تعالى في كتابه حكمة الصوم - مثلا أنه سبب للتقوى ، فالفوائد الدينية هي الأصل ، والدنيوية ثانوية ، وعندما نتكلم عند عامة الناس فإننا نخاطبهم بالنواحي الدينية ، وعندما نتكلم عند ممن لا يقتنع إلا بشيء مادي ، فإننا نخاطبه بالنواحي الدينية والدنيوية ولكل مقام مقال " انتهى من كتاب "العلم" للشيخ ابن عثيمين رحمه الله، ص76

فالنصيحة لك : أن تطلب العلم الشرعي، وتخلص فيه النية، بأن يكون لله تعالى وليس مراءاة للناس، وأن تستحضر ما رتب الله على العلم من الفضل الثواب، ولا حرج مع ذلك أن تطمح إلى الحصول على الشهادة وما يعقبها من الوظيفة والراتب، فتكون قد جمعت بين حسنيي الدنيا والآخرة.

وليس هذا من الشرك، ولا يدخل فيمن (اشْتَرَوْا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا) التوبة/9 ، فإن المراد بذلك: من اعتاض عن اتباع آيات الله بما التهى به من أمور الدنيا الخسيسة، كما قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره (4/ 116).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب