الحمد لله.
أولا:
إذا أطلقت رصاصة فأصابت بالخطأ ابنتك، أو لو لم ترد الإطلاق لكن أمسكت بالمسدس لتنظيفه مثلا، فخرجت منه رصاصة، فأصابتها، فهذا من القتل الخطأ، ولا إثم عليك فيه ؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ) رواه ابن ماجه (2033) وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه.
لكن ذلك يوجب أمرين:
الأول: الدية، وهي على عاقلتك، وتعطى لورثة القتيلة، ولا تأخذ أنت منها شيئا، فإن تنازل عنها الورثة سقطت؛ لقوله تعالى : ( وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَن يَصَّدَّقُواْ) النساء/92.
والثاني: الكفارة، وهي عتق رقبة مؤمنة، فإن لم تجد فصيام شهرين متتابعين؛ لقوله تعالى: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللهِ وَكَانَ اللهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) النساء/92
ثانيا:
المراد بالعاقلة: العصبة، وهم أقرباؤك الذكور من جهة أبيك؛ لما رواه المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : (ضَرَبَتْ امْرَأَةٌ ضَرَّتَهَا بِعَمُودِ فُسْطَاطٍ وَهِيَ حُبْلَى فَقَتَلَتْهَا .. قَالَ : فَجَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِيَةَ الْمَقْتُولَةِ عَلَى عَصَبَةِ الْقَاتِلَةِ) رواه مسلم (1682) .
قال ابن قدامة في "المغني" (8/296) : "ولا نعلم بين أهل العلم خلافاً في أن دية الخطأ على العاقلة . قال ابن المنذر : أجمع على هذا كل من نحفظ عنه من أهل العلم . وقد ثبتت الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قضى بدية الخطأ على العاقلة ، وأجمع أهل العلم على القول به" انتهى .
وانظر في بيان العاقلة: جواب السؤال رقم (52809).
فإن عجزت العاقلة تحملها عنك بيت مال المسلمين .
فإن لم يمكن أخذها من بيت المال، ففي المسألة خلاف، منهم من قال : لا شيء على القاتل ، وهو المذهب عند الحنابلة ، وأكثر العلماء على أنه يتحملها القاتل نفسه ، واختاره ابن قدامة وشيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله .
قال في الإنصاف (10/123) : " ومن لا عاقلة له ، أو لم تكن له عاقلة تحمل الجميع : فالدية أو باقيها من بيت المال ، فإن لم يمكن أخذها من بيت المال ، فلا شيء على القاتل ، وهو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب....وهو من مفردات المذهب، ويحتمل أن تجب في مال القاتل. قال المصنف هنا [ابن قدامة] : وهو أولى ، فاختاره " انتهى .
وفي الموسوعة الفقهية (21/ 92): " إذا لم يكن للجاني عاقلة ، وتعذر حصول الدية من بيت المال ; لعدم وجوده ، أو عدم ضبطه، فهل يسقط الدم ، أو تجب الدية كاملة على الجاني نفسه؟
اختلف الفقهاء : فقال الحنفية والمالكية وهو الأظهر عند الشافعية واختاره ابن قدامة من الحنابلة: إنها تجب في مال الجاني .
وذهب الحنابلة إلى أنها تسقط بتعذر أخذها من بيت المال حيث وجبت فيه ، ولا شيء على القاتل، وهذا هو المذهب عندهم ، ولا على العاقلة أيضا لعجزها عن أداء ما وجب عليها من الدية، ولو أيسرت العاقلة بعد ذلك أخذت الدية منها كاملة ، لئلا يضيع دم المسلم هدرا، قال الرحيباني : وهذا متجه ، ويتجه أنه إذا تعذر أخذ الدية من بيت المال فتجب في مال القاتل .
وفي وجه عند الشافعية : لا تؤخذ من الجاني بل تجب على جماعة المسلمين كنفقة الفقراء كما ذكره النووي في الروضة" انتهى.
وإذا تنازل عنها ورثة ابنتك، سقطت، كما تقدم.
والله أعلم.
تعليق