الخميس 20 جمادى الأولى 1446 - 21 نوفمبر 2024
العربية

لا حرج في الانتقال إلى بدائل الحجاب الكامل بعذر ضعف السمع

259955

تاريخ النشر : 27-02-2017

المشاهدات : 11544

السؤال

أنا أستخدم السماعات المساعدة للسمع منذ ولادتي، وأنا أعاني كثيراً مع الحجاب. لسوء الحظ الحجاب يحدث أصوات في السماعات التي أستخدمها، كل ما يلمس الحجاب شيء يحدث صوت مثل ( المشي على الثلج). لقد جربت عدة طرق للحجاب، ولكن جميعها كانت تزعجني كثيراً. من ناحية يجب علي أن أبقي الحجاب عند رقبتي فضفاضا حرا لأتمكن من الوصول للسماعات في أي وقت (لتغيير البطاريات أو إصلاح شيء)، ومن ناحية أخرى يجب علي أن أثبت الحجاب على رباط الرأس، لكن وضع رباط الرأس خلف أذني يجعله ينزلق دائماً. ولقد جربت أيضاً استخدام سماعات من نوع آخر (داخل الأذن)، ولكن هذه ليست قوية كفاية لمساعدة نقص السمع عندي. وبالتالي فأنا أعاني كل يوم عندما أكون خارج المنزل، وقد جعلني ذلك مثبطة العزيمة لارتدائي الحجاب، وكثيراً ما أشعر بالملل أو أحس بالحزن. أنا أحس أن الإسلام يجب أن لا يكون قاسيا على الإنسان بما أنه يعلمنا أن نعيش على الطريق الوسط. أردت أن أسأل إن كان هناك حكم لفتاة تعاني من مشكلة السمع لتُستثنى من لبس غطاء الشعر. مثل وجود حكم للمرضى الذين لا يجب عليهم الصوم. أنا سأستمر بالرغبة في تغطيتي جسدي كاملاً بطريقة محتشمة ما عدا شعري.

ملخص الجواب

خلاصة الجواب لا حرج عليك في تغطية شعرك ورقبتك دون أذنيك لما تعانينه من ضعف في السمع.

الجواب

الحمد لله.

الشريعة الإسلامية شريعة الرخصة والتيسير لكل أصحاب الأعذار، جاءت الرخصة لهم صريحة في القرآن الكريم لترك بعض الفرائض أو تأجيلها إلى ميسرة، كما قال عز وجل: ( وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ) البقرة/ 18. وقال سبحانه: ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ ) النور/61. وقال جل وعلا: ( لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذَابًا أَلِيمًا)  الفتح 17.

قال الشيخ السعدي رحمه الله في تفسيره (ص 575) :

"يخبر تعالى عن منته على عباده، وأنه لم يجعل عليهم في الدين من حرج بل يسره غاية التيسير، فقال: لَيْسَ عَلَى الأعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ أي: ليس على هؤلاء جناح، في ترك الأمور الواجبة، التي تتوقف على واحد منها، وذلك كالجهاد ونحوه، مما يتوقف على بصر الأعمى، أو سلامة الأعرج، أو صحة للمريض" انتهى .

ولهذا كان من أصول الفقه ومبادئه العامة المتفق عليها بين العلماء أن "المشقة تجلب التيسير"، وأنه "إذا ضاق الأمر اتسع"، وأن "الحرج مرفوع"، ونحوها من العبارات التي تؤدي إلى مقصود واحد، تقرره الآيات الكريمات السابقات، وتؤكده هذه القواعد الربانية الواردة في قوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ وَاسْمَعُوا وَأَطِيعُوا وَأَنْفِقُوا خَيْرًا لِأَنْفُسِكُمْ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [التغابن: 16]. وقوله سبحانه: لَا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 233]، وقال جل وعلا: لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [البقرة: 286]. وقال عز وجل: وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا [الأنعام: 152]. ويقول تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [الأعراف: 42]. ويقول أيضا: وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ. أُولَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ. وَلَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنْطِقُ بِالْحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ [المؤمنون: 60 - 62]

والمؤمن الذي يسعى في الخيرات، ويسابق لها، ويتقي الله ما استطاع، ويصاب في شيء من أعضائه بما تشق معه عبادة معينة مشقة "غير معتادة"، فلا بأس أن يترخص بمقتضى هذه النصوص الجليلة من الله سبحانه وتعالى.

ولهذا فلا نرى حرجا عليك في البحث عن بديل للحجاب، ترفعين به عن سمعك الأذى والضرر، وفي الوقت نفسه تحافظين على ستر شعرك عن الناس، كأن تلبسي القبعة النسائية الساترة التي ترتفع عن الأذن، أو تلبسي الحجاب بطريقة الالتفاف من فوق الأذن، ونحو ذلك من البدائل التي تساعدك على رفع الحرج وإزالة الضرر، والرقبة أيضا ستجدين ما تسترينها به من أنواع ألبسة نسائية متنوعة، بحيث تغطين الرقبة، وتغطين الشعر، وتبقى منطقة الأذن مكشوفة بعذر رعاية السمع أن يصاب بالأذى، أو تضعف درجته.

فالفقهاء لا يترددون – وهم يذكرون ضابط الأعذار المخففة – أن يجعلوا فوات إحدى الحواس أو إلحاق الضرر بها عذرا مخففا يبيح الترخص بحسب العبادة المطلوبة.

يقول الإمام النووي رحمه الله:

"المرض ثلاثة أقسام:

الأول: ما يخاف معه فوت الروح، أو فوت عضو، أو منفعة عضو.

الثاني: أن يخاف زيادة العلة، وهو كثرة ألم، وإن لم تزد المدة، أو يخاف بطء البرء، وهو طول مدة المرض. وإن لم يزد الألم، أو يخاف شدة الضنا، وهو المرض المُدْنِف الذي يجعله زَمِنًا، أو يخاف حصول شين قبيح، كالسواد على عضو ظاهر، كالوجه وغيره، مما يبدو في حال المهنة .

الثالث: أن يخاف شيئا يسيرا، كأثر الجدري، وسواد قليل. أو شينا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة، أو يكون به مرض لا يخاف معه محذورا في العاقبة. وإن كان يتألم في الحال بجراحة، أو برد، أو حر.

يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصا، على معرفة نفسه إن كان عارفا.

ويجوز اعتماد طبيب حاذق، بشرط الإسلام، والبلوغ، والعدالة" انتهى باختصار من "روضة الطالبين" (1/ 103)

فالقسمان الأولان من أقسام الأمراض أو الأعذار الصحية هي التي يرخص معها الفقهاء أنواع الرخص، كالتيمم والفطر وتخفيف العبادة ونحوها، وهي ما نراه متجهاً أيضا في الترخص في مثل حالتك .

فإذا كان غطاء الرأس عائقا لسمعك فهذا يلحق بفوات منفعة العضو أو جزء منها، فيكون سببا لجواز الترخص بترك تغطية منطقة الأذن، ولكن مع تغطية بقية الأجزاء التي لا تتضررين بتغطيتها كالشعر والرقبة كما سبق بيانه ؛ فإن كشف منطقة الأذن إنما رخص فيه للضرورة ، والضرورة تقدر بقدرها ، فليس لك أن تشكفي شعرك ، ما دام بعيدا عن منطقة الأذن ، وتشويش السمع . وهكذا كل ما يمكنك تغطيته ، من غير ضرر عليك ، ولا تشويش لسمعك : وجب عليك تغطيته .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب