الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم التقليد وشروط المجتهد

259970

تاريخ النشر : 03-05-2017

المشاهدات : 88441

السؤال

سمعت الشيخ ابن عثيمين في الشريط الأول من شرح زاد المستقنع أن التقليد حرام ولا يجوز للإنسان أن يعمل بدون دليل وأن العلماء لا يسمون المقلد عالما وعندي مجموعة أسئلة حول هذا الموضوع وأرجو منكم ان تجيبوا عليها سؤالا سؤالا : هل قصد الشيخ أن التقليد حرام لطلبة العلم فقط أم للعامة أيضا ؟ وإذا كان للاثنين فكيف للعامة معرفة الدليل وما الفرق إذا بين الطلبة والعامة ؟ وأرجو من فضيلتكم ماهي الطرق التي يفعلها طالب العلم لتجنب التقليد هل يحفظ القران ومتون أحاديث الأحكام مثلا أم ماذا يفعل ؟ وسؤالي الأخير وهو مهم جدا لي فأن تكرمتم أجيبوا عليه إجابة شافية وافية، ماذا أفعل إذا كنت استمع لشريط فقهي مثلا او محاضر او اي شيء وليكن أشرطة أخصر المختصرات للشيخ صالح الفوزان عندما يذكر الشيخ مثلا : (ويسن عند القيام من السجود أن يسند بيديه على ركبتيه ) فهذا عرفناه ويسن لنا هذا لكن أين الدليل وهل حرام علينا أن نفعله لأنه تقليد إلا أن نعرف الدليل وأيضا في متن زاد المستقنع بالكاد يذكر دليل فكيف نجمع بين كلام الشيخ ابن عثيمين وهذا وشكرا

الجواب

الحمد لله.

أولا:

التقليد هو قبول قول الغير بلا حجة، وصاحبه لا يعد من العلماء اتفاقا.

قال ابن عبد البر رحمه الله: "وقال أهل العلم والنظر: حد العلم التبيين وإدراك المعلوم على ما هو [عليه]، فمن بان له الشيء فقد علمه، قالوا: والمقلد لا علم له ، ولم يختلفوا في ذلك" انتهى من جامع بيان العلم وفضله (2/ 992).

وقال الشوكاني رحمه الله: " أما التقليد: فأصله في اللغة مأخوذ من القلادة، التي يقلد غيره بها، ومنه تقليد الهدي، فكأن المقلد جعل ذلك الحكم، الذي قلد فيه المجتهد كالقلادة في عنق من قلده.

وفي الاصطلاح: هو العمل بقول الغير من غير حجة" انتهى من إرشاد الفحول (2/ 239).

 ثانيا:

الشيخ ابن عثيمين رحمه الله لم يحرم التقليد في الموضع المذكور ، ولا في غيره ، إلا على العلماء وطلبة العلم الذين يعرفون الأدلة والنظر فيها، وأما العوام فإن التقليد في حقهم جائز ، بل واجب.

قال رحمه الله في مقدمة الشرح الممتع على زاد المستقنع (1/ 16) : " وعُلِمَ من قولنا: بأدلَّتها أن المقلِّدَ ليس فقيهاً؛ لأنه لا يعرف الأحكام بأدلَّتها، غايةُ ما هنالك أن يكرِّرَها كما في الكتاب فقط. وقد نقل ابنُ عبد البَرِّ الإجماعَ على ذلك.

وبهذا نعرف أهميَّة معرفة الدَّليل، وأن طالب العلم يجب عليه أن يتلقَّى المسائل بدلائلها، وهذا هو الذي يُنجيه عند الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله سيقول له يوم القيامة: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص: 65]، ولن يقول: ماذا أجبتم المؤلِّفَ الفلاني،

فإذاً لا بُدَّ أن نعرفَ ماذا قالت الرُّسل ، لنعمل به.

ولكن التَّقليد عند الضَّرورة : جائزٌ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [النحل: 43]، فإِذا كُنَّا لا نستطيع أن نعرف الحقَّ بدليله فلا بُدَّ أن نسأل؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: إن التَّقليد بمنزلة أكل الميتة، فإذا استطاع أن يستخرج الدَّليلَ بنفسه فلا يحلُّ له التقليد" انتهى.

 فمن لا يعرف الحق بدليله فلابد أن يسأل، أي : يقلد من هو أعلم منه.

 وسئل رحمه الله: " ما الواجب على العامي ، ومن ليس له قدرة على طلب العلم؟

فأجاب فضيلته بقوله: يجب على من لا علم عنده ، ولا قدرة له على الاجتهاد : أن يسأل أهل العلم؛ لقوله تعالى: فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [الأنبياء: 7] .

ولم يأمر الله تعالى بسؤالهم إلا من أجل الأخذ بقولهم، وهذا هو التقليد.

لكن الممنوع في التقليد أن يلتزم مذهبًا معينًا يأخذ به على كل حال ويعتقد أن ذلك طريقه إلى الله -عز وجل- فيأخذ به ، وإن خالف الدليل.

وأما من له قدرة على الاجتهاد؛ كطالب العلم الذي أخذ بحظ وافر من العلم، فله أن يجتهد في الأدلة ، ويأخذ بما يرى أنه الصواب ، أو الأقرب للصواب.

وأما العامي وطالب العلم المبتدئ، فيجتهد في تقليد من يرى أنه أقرب إلى الحق؛ لغزارة علمه وقوة دينه وورعه" انتهى من كتاب العلم، ص153

 وانظر جواب السؤال رقم (215535) فقد نقلنا فيه عنه رحمه الله أن العوام يلزمون بما عليه علماء بلدهم.

 ثالثا:

الناس ثلاثة أقسام:

الأول: المجتهد، وهو من عنده القدرة على استنباط الأحكام من نصوص الكتاب والسنة مباشرة، فهذا يتبع ما أداه إليه اجتهاده، ويحرم عليه التقليد.

الثاني: طالب العلم المتمرس في طلب العلم حتى صار لديه القدرة على الترجيح بين أقوال العلماء ، وإن كان لم يصل إلى درجة الاجتهاد ، فهذا لا يلزمه أن يقلد أحدا من العلماء ، بل يقارن بين أقوال العلماء وأدلتها ويتبع ما ظهر له أنه القول الراجح .

 الثالث :العامي الذي ليس عنده حصيلة من العلم الشرعي تؤهله للترجيح بين أقوال العلماء ، فضلا عن الاجتهاد، فهذا فرضه سؤال أهل العلم، فيعمل بقولهم، وهذا هو التقليد. قال الله تعالى : (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ) النحل/43.

 وانظر بيان هذه الأقسام في جواب السؤال رقم (215535) ورقم (224164).

 رابعا:

طرق طلب العلم وتحصيله كثيرة، منها حفظ القرآن الكريم، وحفظ ما أمكن من السنة النبوية والمتون العلمية، وتلقي العلم عن العلماء الثقات، وبهذا قد يصل الطالب إلى النظر والترجيح بين أقوال العلماء.

وانظر: جواب السؤال رقم (148057).

وأما المجتهد فله شروط بينها أهل العلم، وسبق ذكرها في جواب السؤال رقم (145071) ورقم (128024).

 خامسا:

المتون الفقهية لا تعنى غالبا بذكر الأدلة؛ لأنها مبنية على الاختصار، فمن أراد الوقوف على أدلة كل مذهب فليرجع إلى مطولاته، أو إلى الكتب المعنية بذكر الخلاف الفقهي والترجيح بين الأقوال، كالأوسط لابن المنذر، والتمهيد لابن عبد البر، والمغني لابن قدامة، ونيل الأوطار للشوكاني، وغيرها.

 سادسا:

إذا قال الفقيه: "يسن كذا" فالأصل أن يكون هذا لدليل من السنة يدل عليه، وقد يكون لدليل عقلي وهو القياس، والغالب أن يقال حينئذ: يستحب.

 وما ذكرته عن شرح أخصر المختصرات، ليس فيه لفظ "يسن".

قال في أخصر المختصرات ص113: " ثمَّ ينْهض مكبرا مُعْتَمدًا على رُكْبَتَيْهِ بيدَيْهِ ، فَأن شقّ فبالأرض" انتهى.

ولم يقل الشيخ صالح الفوزان في شرحه: "ويسن". وإنما ذكر أن هذه الهيئة لمن كان قويا نشيطا، فيقوم على صدور قدميه، ويعتمد بيده على ركبتيه، وأما من كان ضعيفا فإنه يعتمد على الأرض بيديه.

والحنابلة يستدلون لهذا بـ : " حديث أبي هريرة: ( كان ينهض على صدور قدميه) ، وفي حديث وائل بن حجر: (وإذا نهض ، نهض على ركبتيه، واعتمد على فخذيه) رواه أبو داود" انتهى من منار السبيل (1/ 93).

وقد ضعف الألباني رحمه الله الحديثين. انظر: إرواء الغليل (2/ 81- 84) حديث رقم (362) ورقم (363).

ولا حرج في تقليد مذهب الحنابلة ، أو غيره من المذاهب المعتبرة ، في ذلك ، أو في غيره من مسائل الفقه ، لمن لم كان عاميا ، أو لم يتبين له شيء في مسألة بخصوصها ، على ما سبق ذكره .

وإن كان الأظهر في هذه المسألة : أن يجلس جلسة الاستراحة، ويعتمد على الأرض بيديه إذا قام منها.

قال الألباني رحمه الله: " ومع ضعف هذا الحديث فقد خالفه حديثان صحيحان:

الأول: حديث أبى حميد الساعدي المتقدم (305) وفيه بعد أن ذكر السجدة الثانية من الركعة الأولى: " ثم قال: الله أكبر ، ثم ثنى رجله ، وقعد ، واعتدل حتى يرجع كل عظم في موضعه ، ثم نهض ".

الثاني: عن مالك بن الحويرث أنه كان يقول: ألا أحدثكم عن صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فصلى في غير وقت صلاة ، فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية في أول ركعة : استوى قاعدا ، ثم قام فاعتمد على الأرض ".

أخرجه الشافعي في " الأم " (1/101) وابن أبى شيبة (1/158/1) والنسائي (1/173) والبيهقي (2/124/135) والسراج (108/2) عن عبد الوهاب بن عبد المجيد الثقفي ، عن خالد الحذاء ، عن أبى قلابة قال: كان مالك بن الحويرث يأتينا فيقول ؛ فذكره.

قلت: وهذا إسناد صحيح على شرط الشيخين.

وأخرجه البخاري (1/211) والبيهقي (2/123) من طريق وهيب عن أيوب عن أبى قلابة قال: جاءنا مالك بن الحويرث فصلى بنا في مسجدنا هذا ، فقال: إني لأصلى بكم وما أريد الصلاة ، ولكن أريد أن أريكم كيف رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يصلي ، قال أيوب فقلت لأبى قلابة: وكيف كانت صلاته؟ قال: مثل صلاة شيخنا هذا يعنى عمرو بن سلمة ، قال أيوب: وكان ذلك الشيخ يتم التكبير ، وإذا رفع رأسه عن السجدة الثانية : جلس واعتمد على الأرض ثم قام ".

وقد تابعه حماد بن زيد عن أيوب به نحوه بلفظ: " كان إذا رفع رأسه من السجدة الأولى والثالثة التي لا يقعد فيها : استوى قاعدا ، ثم قام ".

أخرجه الطحاوي (2/405) وأحمد (5/53 ـ 54) وهو صحيح أيضا.

وتابعه هشيم عن خالد مختصرا بلفظ:" أنه رأى النبي صلى الله عليه وسلم يصلى ، فإذا كان في وتر من صلاته : لم ينهض حتى يستوى قاعدا ".

أخرجه البخاري وأبو داود (844) والنسائي أيضا والترمذي (2/79) والطحاوي والدارقطني (132) والبيهقي.

وقال الترمذي: " حديث حسن صحيح ".

وصححه الدارقطني أيضا.

(فائدة) : هذه الجلسة الواردة في هذين الحديثين الصحيحين تعرف عند الفقهاء بجلسة الاستراحة، وقد قال بمشروعيتها الإمام الشافعي ، وعن أحمد نحوه كما في " تحقيق ابن الجوزي " (111/1).

وأما حمل هذه السنة على أنها كانت منه صلى الله عليه وسلم للحاجة ، لا للعبادة ، وأنها لذلك لا تشرع ، كما يقوله الحنفية وغيرهم: فأمر باطل كما بينته في " التعليقات الجياد ، على زاد المعاد " وغيرها .

ويكفى في إبطال ذلك : أن عشرة من الصحابة ، مجتمعين ، أقروا إنها من صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كما تقدم في حديث أبى حميد ، فلو علموا أنه عليه السلام إنما فعلها للحاجة ، لم يجز لهم أن يجعلوها من صفة صلاته صلى الله عليه وسلم . وهذا بين لا يخفى ، والحمد لله تعالى" انتهى من إرواء الغليل (2/ 82، 83).

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: الإسلام سؤال وجواب