الحمد لله.
قال الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه : بَاب ذَمِّ مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ نَفْسَهُ بِالْغَزْوِ . ثم ساق حديث أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَغْزُ وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ نَفْسَهُ مَاتَ عَلَى شُعْبَةٍ مِنْ نِفَاقٍ " صحيح مسلم 3533
قال النووي رحمه الله : المراد أن من فعل هذا فقد أشبه المنافقين المتخلفين عن الجهاد في هذا الوصف ، فإن ترك الجهاد أحد شعب النفاق . وفي هذا الحديث : أن من نوى فعل عبادة فمات قبل فعلها لا يتوجه عليه من الذمّ ما يتوجه على من مات ولم ينوها .
وقال السندي في حاشيته على سنن النسائي : قوله ( ولم يحدث نفسه ) من التحديث قيل بأن يقول في نفسه يا ليتني كنت غازيا ، أو المراد ولم ينو الجهاد وعلامته إعداد الآلات قال تعالى : " ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عُدّة " .
ويكون إعداد النَّفس للجهاد بأمور كثيرة منها : معرفة فضل الجهاد وأحكامه وإعداد النّفس بأنواع الطّاعات والعبادات وتربيتها على التّضحية ومراغمتها على الإيثار والبذل في سبيل الله وكذلك الاطلاع والقراءة في سير المجاهدين وأبطال الإسلام والمعارك الإسلامية وتحديث النّفس باستمرار أنّه لو قام قائم الجهاد ووُجد السبيل وحصلت الاستطاعة فلا بدّ من النّفير ومعرفة خطيئة المتولّي يوم الزّحف وإثم الفارّ أمام الكفّار ودراسة السيرة النبوية في المرحلة المكيّة والمدنية وغزوات النبي صلى الله عليه وسلم وكيف تحرّك في ذلك الواقع وبأيّ شيء بدأ وكيف كان يستعدّ ويأخذ بالأسباب وفهم مسألة المرحلية في الجهاد والبدء بالعدو الأقرب حتى الانتقال إلى قتال المشركين كافّة ، والحذر من حركات النّفاق مع القيام بأنواع الجهاد الأربعة جهاد النفس والشّيطان والكفّار والمنافقين وأهمية الجهاد بالمال مع الجهاد بالنفس ، واعلم يا أخي أنّه لا يعسر الجمع بين الدّعوة والجهاد فكل منهما له وقته ومجاله بل كان المسلمون المجاهدون الفاتحون يقومون بالدعوة إلى الله قبل المعركة وإذا فتحوا البلد قاموا بدعوة أهلها وتعليمهم دين الإسلام وإذا لم يكن الوقت وقت جهاد وليست هناك معركة قائمة ولا ساحة مفتوحة فإن أبواب الدّعوة مفتوحة على مصاريعها في مجال دعوة الزوجة والأولاد والأهل الأقارب والجيران وعامة المسلمين وغير المسلمين بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن ، وفّقنا الله وإياك لما يحبّ ويرضى ، وصلى الله على نبينا محمد .
تعليق