الحمد لله.
أولا :
القول المنسوب إلى عبد الله بن عباس رضي الله في تفسير قوله تعالى : ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) التكوير/2 ، والذي أورده السائل الكريم ، بهذا السياق : لم نقف له على إسناد لابن عباس ، وإنما أورده القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" (19/228) ، والنعماني في "اللباب" (20/176)، وغيرهما من المتأخرين من المفسرين .
وجميع من ذكره : لم يذكر إسنادا لهذا التفسير المنقول عن ابن عباس رضي الله عنه .
وقد عزاه غير واحد إلى الكلبي وعطاء ، كما عند الواحدي في "التفسير الوسيط" (4/428)، قال:" قال الكلبي ، وعطاء: تمطر السماء يومئذ نجومًا ، فلا يبقى نجم في السماء إلا وقع على الأرض ، وذلك أنها في قناديل معلقة بين السماء والأرض بسلاسل من النور ، وتلك السلاسل بأيدي ملائكة ، فإذا مات من في السموات ومن في الأرض ، تساقطت تلك السلاسل من أيدي الملائكة ، لأنه مات من كان يمسكها ". انتهى .
ولم يذكر له إسنادا أيضا .
ثم إن القرطبي إنما نقله عن ابن عباس ، من طريقين كلاهما مرسل .
وبيان ذلك كما يلي :
الأول : طريق أبي صالح عن ابن عباس ، وهو مرسل .
قال ابن حبان في "المجروحين" (2/255) :" أبو صالح لم ير ابن عباس ولا سمع منه شيئا ". انتهى .
وقال ابن عدي في "الكامل" (2/258) :" وَبَاذَامُ هَذَا عَامَّةُ مَا يَرْوِيهِ تَفَاسِيرُ ، وَمَا أَقَلَّ مَا لَهُ مِنَ الْمُسْنَدِ . وَهو يَرْوِي عَنْ عَلِيٍّ ، وَابْنِ عَبَّاسٍ .
وروى عنه ابْنُ أَبِي خَالِدٍ ، عَن أَبِي صالح هذا ، تفسيرا كثيرًا، قدر جزء ؛ وفي ذَلِكَ التَّفْسِيرِ مَا لَمْ يُتَابِعْهُ أَهْلُ التَّفْسِيرِ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَعْلَمْ أحدًا من المتقدمين رضيه ". انتهى .
الثاني : طريق الضحاك بن مزاحم عن ابن عباس
وهو مرسل أيضا حيث لم يسمع الضحاك من ابن عباس شيئا ، كما في "المراسيل" لابن أبي حاتم (152) .
ثانيا :
وأما المنقول عن عبد الله بن عباس رضي الله عنه في تفسير هذه الآية فقد جاء من وجهين :
الأول : ما أخرجه الطبري في تفسيره (24/133) من طريق علي بن أبي طلحة عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ [التكوير: 2] يَقُولُ:" تَغَيَّرَتْ " .
وهذا الطريق ، وإن كان فيه انقطاع ، حيث لم يسمع علي بن أبي طلحة من ابن عباس ، كما في المراسيل لابن أبي حاتم (508) وغيره ؛ إلا أن بعض أهل العلم يرى أن الواسطة بين علي بن أبي طلحة وابن عباس هو مجاهد وسعيد بن جبير ، ولذا يقبلون روايته ما لم يكن فيها نكارة أو مخالفة ، قال ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" (1/207) :" وعلي صدوق لم يلق ابن عباس لكنه إنما حمل عن ثقات أصحابه فلذلك كان البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما يعتمدون على هذه النسخة ". انتهى .
الثاني : من طريق مُحَمَّد بن مَرْوَان عَن الْكَلْبِيّ عَن أبي صَالح عَن ابْن عَبَّاس قال :" تساقطت على وَجه الأَرْض ".
وهذا أورده الفيروزأبادي في "تنوير المقباس من تفسير ابن عباس " (ص502) . ومعلوم أنه جمعه كله من هذا الطريق ، وهو طريق تالف لا يصح ، فيه محمد بن مروان السدي كذاب ، قال الذهبي في "ميزان الاعتدال" (8154) :" تركوه واتهمه بعضهم بالكذب ". انتهى .
وكذلك الكلبي كذاب أيضا ، وتفسيره باطل ، حيث قال الثوري : قَالَ لي الْكَلْبِيّ : مَا سمعته مني عَن أبي صَالح عَن ابن عَبَّاس فَهُوَ كذب ، وقال أَحْمد بن هَارُون سَأَلت أَحْمد بن حَنْبَل عَن تَفْسِير الْكَلْبِيّ فَقَالَ : كذب . قلت : يحل النّظر فِيهِ ؟ قَالَ : لَا " . كذا في "المجروحين" لابن حبان (2/254).
ثالثا :
وأما تفسير الآية في قوله تعالى : ( وَإِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ ) بأن معناها : تساقطت ، فهذا قول كثير من المفسرين كمجاهد ، وقتادة ، والربيع بن خثيم . رواه عنهم الطبري في تفسيره (24/133) .
وهو قول الطبري في تفسيره (24/132) ، وابن جزي في تفسيره (2/455) .
ولكن ذلك لا يدل على صحة الرواية المذكورة عن ابن عباس ، بطولها ، وتفاصيلها ؛ فإن شأن اللفظة المفردة ، التي يدرك تفسيرها من لغة العرب وكلامهم ، يختلف عن تفاصيل الأمور الغيبية ، وما يتعلق بها ، فهذه لا بد لمعرفتها من خبر ثابت ، تقوم به الحجة .
والله أعلم .
تعليق