الحمد لله.
أولا:
إذا كان جدك قد كتب الأرض باسم والدتك وشقيقتيها، ورفع يده عن الأرض، وأطلق لهم فيها التصرف، فقد حصل القبض والحوز، ونفذت الهبة، لكن للأب أن يرجع فيما وهب لولده؛ لما روى أبو داود (3539) والترمذي (2132) والنسائي (3690) وابن ماجه (2377) عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يُعْطِيَ عَطِيَّةً أَوْ يَهَبَ هِبَةً فَيَرْجِعَ فِيهَا إِلَّا الْوَالِدَ فِيمَا يُعْطِي وَلَدَهُ وَمَثَلُ الَّذِي يُعْطِي الْعَطِيَّةَ ثُمَّ يَرْجِعُ فِيهَا كَمَثَلِ الْكَلْبِ يَأْكُلُ فَإِذَا شَبِعَ قَاءَ ثُمَّ عَادَ فِي قَيْئِهِ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود.
واشترط الفقهاء أن يبقى الموهوب كما هو، وألا يكون الولد قد تصرف فيه ، أو أخرجه عن ملكه ببيع ونحوه، فإن حصل شيء من ذلك : فليس للأب الرجوع .
وينظر تفصيل المذاهب في ذلك في الموسوعة الفقهية (42/ 149- 154).
ثانيا:
إذا لم يرفع الوالد يده عن الأرض، فالقبض لم يتم، وله أن يرجع في الهبة عند الجمهور.
وفي "الموسوعة الفقهية" (6/ 164): " ويجوز الرجوع في الهبة قبل القبض عند الجمهور .
فإذا تم القبض : فلا رجوع عند الشافعية والحنابلة إلا فيما وهب الوالد لولده، وعند الحنفية يجوز الرجوع إن كانت لأجنبي.
أما المالكية : فلا رجوع عندهم في الهبة قبل القبض وبعده في الجملة، إلا فيما يهبه الوالد لولده" انتهى.
لكن يشترط في صحة رجوعه في هبته ، أو تصرفاته : أن يكون ذلك الرجوع قد حصل وهو في تمام عقله ، ولا يحكم بذلك : إلا إن قامت البينة بصحة رجوعه ، وأن ذلك الرجوع كان وهو في تمام عقله .
ثالثا:
على فرض أن جدك قد رجع في هبته، وعادت الأرض إلى ملكه، ثم إنه أصابه خرف أو فقدان ذاكرة، فلا يجوز لاحد أن يتصرف في ماله، إلا فيما يتعلق بمصلحته، ويُترك ماله إلى أن يشفى ، أو يموت ، فيقسم على ورثته.
ومثل هذا يحجر عليه، ويمنع من التصرف في ماله، لكن لا يتم الحجر عليه إلا عن طريق القاضي.
وقد سُئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى: " لي والد كبير في السن وهو قد وصل إلى مرحلة التخريف ، وله أرض كبيرة ونرغب في تخطيطها وبيعها على شكل قطع سكنية ، ولكن يقول البعض من الإخوة ما دام الوالد على قيد الحياة فلا حق لكم في التصرف ؛ هل يجوز لي أن آخذ صك ولاية من المحكمة لأجل مصلحته ؟
فأجاب رحمه الله تعالى : إذا كان تصرفه غير سديد، فلا بد أن تبلغ بذلك المحكمة ، حتى تتخذ الإجراء اللازم " انتهى من " فتاوى نور على الدرب " ( 16 / 2 بترقيم الشاملة ) .
وانظر: جواب السؤال رقم (202990)
وأما وصية والدتك بأن الأرض تكون لابنها وابنتها، فهذا فرع عن ثبوت ملكيتها للأرض، وأما إذا لم تملك الأرض لرجوع والدها في الهبة، فلا ينظر في هذه الوصية.
ولو ثبتت ملكيتها للأرض فإن نصيبها ينتقل بالإرث إلى ابنها وبنتها، لا بالوصية .
إلا إن كان مقصود السؤال : أنها أوصت بنصيب أختيها كذلك لابنها وابنتها، فالوصية بنصيب أختيها لا تصح؛ لأن الوصية إنما تكون فيما يملكه الإنسان.
وإن كانت قد أوصت أختيها ، بأن يتنازلا عن نصيبهما ، لابنها وابنتها : فهذا يرجع للأختين ، إن شاءتا : نفذتا هذه الوصية من أختهما ، وإن شاءا لم ينفذاها ، وليس عليهما حرج في ذلك .
رابعا:
على فرض أن جدك لم يرجع في الهبة، وأن والدتك وأختيها قد تملكن الأرض: فإن كانت الهبة لم يحصل فيها جور على بقية أولاد جدك، لأنه استرضاهم حينها ، أو أعطاهم ضعف ما أعطى البنات ، أو مثل ما أعطاهن : فالأرض تكون ملكا لهن، وينتقل نصيب والدتك لورثتها، ابنها وبنتها، وزوجها إن كان حيا، ولا تمض وصيتها لابن وبنتها إلا بموافقة جميع ورثها.
وإن كانت هبة الجد للبنات قد حصل بها جور على بقية أولاده، فإنه يلزم الجد –إن عاد إلى وعيه- أن يعدل في الهبة ، ولو باسترجاع الأرض .
فإن مات ولم يعدل، لزم الورثة : أن يدخلوا الهبة في التركة ويحققوا العدل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "يجب على الرجل أن يسوي بين أولاده في العطية ولا يجوز أن يفضل بعضا على بعض كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حيث نهى عن الجور في التفضيل وأمر برده. فإن فعل ، ومات قبل العدل : كان الواجب على من فضل أن يتبع العدل بين إخوته؛ فيقتسمون جميع المال - الأول والآخر - على كتاب الله تعالى للذكر مثل حظ الأنثيين" انتهى من مجموع الفتاوى (31/ 297).
والله أعلم.
تعليق