الحمد لله.
أولا:
لا يحل للزوج أن يأخذ من مال زوجته شيئا إلا برضاها؛ لعموم قوله صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ مَالُ امْرِئٍ إِلَّا بِطِيبِ نَفْسٍ مِنْهُ رواه أحمد (20172) وصححه الألباني في "إرواء الغليل" (1459).
وقال الله تعالى: وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا النساء/4 .
فإذا لم تطب نفس المرأة بإعانة زوجها بالمال، لم يحل له.
والزوج ملزم بالنفقة على زوجته مهما كانت غنية أو ذات مال.
ثانيا:
للزوج أن يمنع زوجته من العمل ، ولا يسمح لها به إلا بشرط أن تعطيه من راتبها، ما لم يكن قد اشترطت عليه العمل عند العقد ، أو عقد عليها وهي تعمل، وكان العرف أن تبقى في عملها، فلا يجوز له منعها، ولا أخذ شيء من راتبها، والمعروف عرفا كالمشروط شرطا.
قال البهوتي رحمه الله : " ولا تؤجر المرأة نفسها، بعد عقد النكاح عليها، بغير إذن زوجها، لتفويت حق الزوج " انتهى من "الروض المربع" ، ص 271
وأما إذا لم تشترط عليه العمل، ولم يكن العرف قاضيا ببقائها في عملها الذي عقد عليها وهي تمارسه : فللزوج منعها من العمل، وله أن يشترط عليها شيئا من راتبها ليأذن لها في العمل.
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " يجب على الإنسان أن ينفق على أهله، على زوجته وولده بالمعروف، حتى لو كانت الزوجة غنية، فإنه يجب على الزوج أن ينفق، ومن ذلك ما إذا كانت الزوجة تدرِّس، وقد شُرط على الزوج تمكينُها من تدريسها، فإنه لا حقَّ له فيما تأخذه من راتب، لا نصف، ولا أكثر، ولا أقل، الراتب لها، مادام قد شُرط عليه عند العقد أنه لا يمنعها من التدريس فرضي بذلك، فليس له الحق أن يمنعها من التدريس، وليس له الحق أن يأخذ من مكافأتها، أي: من راتبها شيئاً، هو لها.
أما إذا لم يُشترط عليه أن يمكِّنها من التدريس، ثم لما تزوج قال: لا تدرِّسي: فهنا لهما أن يصطلحا على ما يشاءان، يعني: مثلاً له أن يقول: أمكِّنك من التدريس بشرط أن يكون لي نصف الراتب أو ثلثاه، أو ثلاثة أرباعه، أو ربعه، وما أشبه ذلك، على ما يتفقان عليه .
وأما إذا شُرط عليه أن تدرِّس، وقبِلَ: فليس له الحق أن يمنعها، وليس له الحق أن يأخذ من راتبها شيئاً " انتهى من" شرح رياض الصالحين" (6/ 143).
ثالثا:
يحرم على المرأة طلب الطلاق إلا لعذر شرعي يبيح ذلك؛ لما روى أبو داود (2226) ، والترمذي (1187) ، وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة صححه الألباني في "صحيح أبي داود".
والبأس: هو الشدة والسبب الملجئ للطلاق.
والذي يظهر : أن الزوج إذا أصر على أخذ مالها بغير حق ؛ أن هذا عذر يبيح لها الطلاق، فإن الإنسان له أن يقاتل دون ماله، كما روى مسلم (140) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : " جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيْتَ إِنْ جَاءَ رَجُلٌ يُرِيدُ أَخْذَ مَالِي ؟ قَالَ : فَلَا تُعْطِهِ مَالَكَ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَاتَلَنِي ، قَالَ : قَاتِلْهُ ، قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلَنِي ؟ قَالَ : فَأَنْتَ شَهِيدٌ قَالَ : أَرَأَيْتَ إِنْ قَتَلْتُهُ ؟ قَالَ : هُوَ فِي النَّارِ ".
وعلى ذلك ؛ فليس للزوج أن يلجئها للخلع، ولا يحل له أن يأخذ منها شيئا، بل يلزمه أن يطلقها أو أن يصلح حاله معها، ولا يحل له أن يطلب عوضا على الطلاق.
والفقهاء مختلفون في صحة الخلع لو ضار بالزوجة حتى تختلع :
قال ابن عبد البر رحمه الله ، في تقرير صحة الخلع ، وبطلان ما أخذه ، إذا ضارها بغير حق :
" وأجمع العلماء على إجازة الخلع بالصداق الذي أصدقها ، إذا لم يكن مُضِرا بها ، وخافا ألا يقيما حدود الله ...
فإذا كان النشوز من قِبلها : جاز للزوج ما أخذ منها بالخلع ، وإن كان أكثر من الصداق ، إذا رضيت بذلك ، وكان لم يضر بها .
فإن كان لخوف ضرره ، أو لظلم ظلمها ، أو أضر بها : لم يجز له أخذه، وإن أخذ شيئا منها على هذا الوجه : رده ، ومضى الخلع عليه" انتهى من "التمهيد" (23/ 368).
وقال ابن قدامة رحمه الله ، في تقرير بطلان الخلع ، إذا ضارها ليأخذ مالها :
" فأما إن عضل زوجته، وضارها بالضرب والتضييق عليها، أو منعها حقوقها؛ من النفقة، والقسم ونحو ذلك، لتفتدي نفسها منه، ففعلت : فالخلع باطل، والعوض مردود.
روي ذلك عن ابن عباس وعطاء ومجاهد والشعبي والنخعي والقاسم بن محمد وعروة وعمرو بن شعيب وحميد بن عبد الرحمن والزهري .
وبه قال مالك والثوري وقتادة والشافعي وإسحاق " انتهى من "المغني" (8/ 179).
وأما إن كان الزوج يمنعها من العمل –لعدم الشرط ، أو العرف- ولم يوجد سبب آخر يبيح طلب الطلاق ، كإيذائها وضربها مثلا ؛ فللزوج أن يمتنع من طلاقها، وأن يلجئها للخلع، لتتنازل عن مهرها أو بعضه.
والأمر هنا على ما يتفقان عليه ، فقد يكتفي بالشبكة فقط، أو يأخذها مع ما تبقى من المال، أو يطالب بالأربعين ألفا ؛ فالخلع مداره على الاتفاق بين الطرفين .
وينبغي للعقلاء من أهل الطرفين أن يتوسطوا ، للاتفاق على شيء لا يجحف بالطرفين، لا سيما إذا ظهر من حال الزوج أنه لا يريد بقاء النكاح أيضا.
رابعا:
في حال الطلاق برضا الزوج، أو بإجبار القاضي، فإن الطلاق قبل الدخول فيه تفصيل:
1. أن يكون الطلاق قبل الدخول ، ومن غير خلوة كاملة يتمكن فيها من الدخول بها: فلا عدة عليها، ولها نصف المهر المسمَّى –المقدم والمؤخر- . .
وانظري جوابي السؤالين : (75026) ، و (99597).
وإذا كانت الزوجة قد أخذت المهر 40 ألفا واشترت منه الشبكة بإذن زوجها ، وكان العرف أن الشبكة جزء من المهر : فإنها تعتبر وكيلة عنه في شراء الذهب .
وعليه : فإذا ردت نصف المهر ، فإنها ترد إليه نصف الذهب، ونصف المبلغ المتبقي، ما لم يتراضيا على غير ذلك.
2. أن يكون الطلاق بعد خلوة كاملة يتمكن الزوج فيها من الدخول بها: فقد ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعي – في القديم من مذهبه - والحنابلة : إلى أن عليها العدة ، ولها المهر كاملاً – المقدم منه والمؤخر-.
خامسا:
إذا وجد سبب يبيح الطلاق، وأبى الزوج ذلك، أو كرهت المرأة البقاء مع زوجها : فلها أن تطلب الخلع .
ولا يحل للزوج أن يأخذ منها شيئا في الحالة الأولى ، كما تقدم.
وفي الحالة الثانية : له أن يأخذ منها المهر ، أو بعضه ، أو أزيد منه، بحسب ما يتفقان.
وينظر: سؤال رقم : (176224) .
والفسخ يختلف عن الطلاق ، في أسبابه ، وما يترتب عليه .
فمن ذلك : أن الفسخ قبل الدخول لا يوجب للمرأة شيئا من المهر ، بخلاف الطلاق.
وقد سبق بيان الفرق بين الفسخ والطلاق ، وهل الخلع فسخ أو طلاق ، في حواب السؤال رقم : (133859)، فيراجع للفائدة .
والله أعلم.
تعليق