الاثنين 22 جمادى الآخرة 1446 - 23 ديسمبر 2024
العربية

العلم منه فرض عين ومنه فرض كفاية، وهل يجب العلم على من كان مؤهلا ؟

262984

تاريخ النشر : 17-05-2018

المشاهدات : 52623

السؤال

بعد اطلاعي على فتوى في موقعكم ، أود معرفة أنه إذا كان طلب العلم لمسائل محددة هو فرض كفاية ، فكيف لنا أن نوازن بين شخص لديه قدرات لطلب العلم الشرعي حتى لا يتبع مذهب ، وبين شخص على سبيل المثال ، قد يكون لديه وقت بين يديه - أو يستطيع توفير ذلك الوقت إذا أراد ، بالعمل لساعات أقل في الأسبوع ليتمكن من توفير وقت فراغ أكبر، لأن أوضاعه تعني أنه مقتدر على ذلك ، وليس عليه مسؤوليات مادية تتطلب منه كل ذلك العمل ، لكنه لا يستخدم هذا الوقت لطلب العلم الشرعي مع أنه يمتلك القدرات التي تؤهله للقيام بذلك ، مثل : الكتب ، والأشرطة المسجلة ، وغرفة هادئة لطلب العلم ، وذاكرة جيدة، ومهارات تحليلية جيدة ، وقدراته تعني أنه مؤهل ليكون عالما بالقرآن و السنة ؟ هل هذا النوع من الناس مذنب ؛ لأنه يعمل ساعات إضافية مع عدم حاجته للقيام بذلك بدلاً من أن يستغل ذلك الوقت في طلب العلم الشرعي؟ وهل يستطيع هذا الشخص قول أن طلب العلم فرض كفاية ؟

الجواب

الحمد لله.

العلم الشرعي منه ما هو فرض عين، ومنه ما هو فرض كفاية، ومنه ما هو نفل.

وأما العلوم الدنيوية النافعة : فهي فرض كفاية ، أو مباحة.

قال في "كشاف القناع" (1/ 411) : " ( وأفضله ) أي التطوع ( الجهاد ) قال أحمد: لا أعلم شيئا بعد الفرائض أفضل من الجهاد ...

( ثم علم ؛ تعلمه وتعليمه ، من حديث وفقه ونحوهما) كتفسير وأصول ، لحديث : " فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم " الحديث . قال أبو الدرداء : ( العالم والمتعلم في الأجر سواء ، وسائر الناس همج لا خير فيهم) .

ونقل مهنّا [أي نقل عن الإمام أحمد قوله] : طلب العلم أفضل الأعمال لمن صحت نيته . قيل : فأي شيء تصحيح النية ؟ قال : ينوي يتواضع فيه ، وينفي عنه الجهل .

وسأله ابن هانئ : يطلب الحديث بقدر ما يظن أنه قد انتفع به ؟ قال : العلم لا يعدله شيء . ونقل ابن منصور: أن تذاكر بعض ليلة أحب إلى أحمد من إحيائها ، وأنه العلم الذي ينتفع به الناس في أمور دينهم. قلت: الصلاة والصوم والحج والطلاق ونحو هذا ؟ قال : نعم ...

قال أحمد : ويجب أن يطلب من العلم ما يقوم به دينه . قيل له : فكل العلم يقوم به دينه ؟!

قال : الفرض الذي يجب عليه في نفسه ؛ لا بد له من طلبه .

قيل : مثل أي شيء ؟ قال : الذي لا يسعه جهله : صلاته , وصيامه , ونحو ذلك .

ومراد أحمد : ما يتعيّن وجوبه، وإن لم يتعين ؛ ففرض كفاية . ذكره الأصحاب ، فمتى قامت طائفة بعلمٍ لا يتعين وجوبه : قامت بفرض كفاية ؛ ثم من تلبّس به : فنفل في حقه .

وفي آداب عيون المسائل : العلم أفضل الأعمال , وأقرب العلماء إلى الله ، وأولاهم به : أكثرهم له خشية " انتهى مختصرا .

وفي "الموسوعة الفقهية" (13/ 6): " تعلم العلم تعتريه الأحكام الآتية:

قد يكون التعلم فرض عين ، وهو تعلم ما لا بد منه للمسلم، لإقامة دينه ، وإخلاص عمله لله تعالى، أو معاشرة عباده. فقد فرض على كل مكلف ومكلفة - بعد تعلمه ما تصح به عقيدته من أصول الدين - تعلم ما تصح به العبادات والمعاملات ، من الوضوء والغسل والصلاة والصوم، وأحكام الزكاة، والحج لمن وجب عليه، وإخلاص النية في العبادات لله.

ويجب تعلم أحكام البيوع على التجار، ليحترزوا عن الشبهات والمكروهات في سائر المعاملات، وكذا أهل الحرف، وكل من اشتغل بشيء ؛ يفرض عليه تعلم حكمه ليمتنع عن الحرام فيه.

وقد يكون التعلم فرض كفاية، وهو تعلم كل علم لا يُستغنى عنه في قيام أمور الدنيا ، كالطب والحساب والنحو واللغة والكلام والقراءات وأسانيد الحديث ونحو ذلك.

ومن التعلم ما هو مندوب، ومنه التبحر في الفقه بالتوسع فيه، والاطلاع على غوامضه، وكذا غيره من العلوم الشرعية.

وقد يكون التعلم حراما: ومنه تعلم الشعوذة، وضرب الرمل، والسحر وكذا الكهانة، والعرافة.

وقد يكون التعلم مكروها، ومنه تعلم أشعار الغزل مما فيه وصف النساء المعيّنات .

وقد يكون التعلم مباحا، ومنه الأشعار التي ليس فيها ما ينكر، من استخفاف بأحد المسلمين أو ذكر عوراتهم أو نحو ذلك" انتهى.

وما كان من فروض الكفاية، أو من النفل : فإنه لا يصير فرض عين لكون الإنسان متفرغا، أو لديه الأهلية والاستعداد ليكون عالما .

لكن مثل هذا يفوته الخير الكثير ، لو ترك طلب العلم أو اقتصر على تعلم المفروض منه، وذلك أن العلم من أشرف الأعمال، وصاحبه من ورثة الأنبياء، لأنه يدل على الله، ويبلّغ عنه دينه .

ويكفي في شرف العلم قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ سَلَكَ طَرِيقًا يَبْتَغِي فِيهِ عِلْمًا سَلَكَ اللَّهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الْجَنَّةِ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ لَتَضَعُ أَجْنِحَتَهَا رِضَاءً لِطَالِبِ الْعِلْمِ ، وَإِنَّ الْعَالِمَ لَيَسْتَغْفِرُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ ، حَتَّى الْحِيتَانُ فِي الْمَاءِ، وَفَضْلُ الْعَالِمِ عَلَى الْعَابِدِ كَفَضْلِ الْقَمَرِ عَلَى سَائِرِ الْكَوَاكِبِ ، إِنَّ الْعُلَمَاءَ وَرَثَةُ الْأَنْبِيَاءِ ، إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا ، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ ، فَمَنْ أَخَذَ بِهِ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) رواه الترمذي (2682) ، وأبو داود (3641)، وابن ماجه (223) والحديث صححه الألباني في "صحيح الترمذي".

ولا حرج على الإنسان أن يعمل ساعات إضافية ، مع عدم حاجته، ولو أدى ذلك إلى عدم تحصيل العلم، ما دام قد تعلم ما يجب عليه.

ثانيا:

من أراد تحصيل الفقه فعليه بدراسة مذهب من المذاهب، فهذه جادة أهل العلم قديما وحديثا، ولا يعني هذا التعصب للمذهب وعدم الخروج عنه ، مطلقا .

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله تعالى :

" ولاشك أن الإنسان ينبغي له أن يركز على مذهب معين ، يحفظه ويحفظ أصوله وقواعده .

لكن لا يعني ذلك أن يلتزم التزامًا تامّاً بما قاله الإمام في هذا المذهب ، كما يلتزم بما قاله النبي صلى الله عليه وسلم ، لكنه يبني الفقه على هذا ، ويأخذ من المذاهب الأخرى ما قام الدليل على صحته ، كما هي طريقة الأئمة من أتباع المذاهب كشيخ الإسلام ابن تيمية ، والنووي وغيرهما حتى يكون قد بنى على أصل ... " .

انتهى من " مجموع فتاوى ابن عثيمين " (26 / 176 – 177) .

وسئل رحمه الله: " نرى بعض الطلاب يبدؤون دراستهم في الفقه بفقه الاختلاف ، فهل هذه الطريقة سديدة ، وهل دراسة الفقه تحتاج إلى تدرج ؟ بينوا لنا في ذلك .

فأجاب بقوله :

"ما معنى فقه الاختلاف ؟ يعني: اختلاف العلماء ، لا ، هذا غلط .

الذي يبدأ بالفقه بكتب الاختلاف فقد ضاع . يضيع بلا شك .

الأحسن أن يركز على مذهب معين ، ويتقن كتبه ، فإذا رسخ الفقه في ذهنه ، حينئذ ينظر في كتب الاختلاف ، حتى إذا فتح الله عليه يرجح هذا أو هذا .

أما أن يبدأ بذكر خلاف وهو ناشئ ، فهذا كالذي ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة " انتهى من " دروس للشيخ العثيمين " (11/ 29، بترقيم الشاملة آليا) .

والله أعلم.


 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب