الحمد لله.
إذا كانت الشركة تشترط على موظفيها عند العقد بأن مَنْ خرج من الشركة لا يدعو أحدا من عمالها ليعمل معه إلا بعد مضي سنتين من خروجه = فهذا شرط صحيح ؛ للمصلحة الواضحة فيه للشركة المشتَرِطة ؛ فهي تريد أن تسلم من الإغراء الذي قد يمارسه الموظفون المنتهية عقودهم مع زملائهم الذين لا يزالون على رأس العمل .
فهذا الاشتراط ليس لمجرد التضييق على الموظف حتى يبقى حبيسا عليها ومضطرا إليها ، بل فيه مصلحة ظاهرة ، وعلى مَنْ دخل معهم والتزم بشرطهم - أن يفي به .
قال تعالى : (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ) .
قال شيخ الإسلام ابن تيمية : "وَتَصِحُّ الشُّرُوطُ الَّتِي لَمْ تُخَالِفْ الشَّرْعَ فِي جَمِيعِ الْعُقُود" انتهى من " الفتاوى الكبرى" (5/ 389) .
وقال أيضا :
" جاء الكتاب والسنة بالأمر بالوفاء بالعهود والشروط والمواثيق والعقود ، وبأداء الأمانة ، ورعاية ذلك ، والنهي عن الغدر ، ونقض العهود والخيانة ، والتشديد على من يفعل ذلك ...
وإذا كان جنس الوفاء ورعاية العهد مأمورا به ، علم أن الأصل صحة العقود والشروط ؛ إذ لا معنى للتصحيح إلا ما ترتب عليه أثره ، وحصل به مقصوده .
ومقصود العقد هو الوفاء به ، فإذا كان الشارع قد أمر بمقصود العهود : دل على أن الأصل فيها الصحة والإباحة..
وقدر رُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم : (الصلح جائز بين المسلمين ؛ إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ، والمسلمون على شروطهم) " .
وقال بعد أن أورد طرقا لهذا الحديث :
"وهذه الأسانيد وإن كان الواحد منها ضعيفا فاجتماعها من طرق يشد بعضها بعضا ، وهذا المعنى هو الذي يشهد له الكتاب والسنة وهو حقيقة المذهب ، فإن المشترط ليس له أن يبيح ما حرمه الله ولا يحرم ما أباحه الله ، فإن شرطه حينئذ يكون مبطلا لحكم الله ، وكذلك ليس له أن يسقط ما أوجبه الله ، وإنما المشترط له أن يكون يوجب بالشرط ما لم يكن واجبا بدونه ، فمقصود الشروط وجوب مالم يكن واجبا ولا حراما ... إذا حرمنا العقود والشروط التي تجري بين الناس في معاملاتهم العادية بغير دليل شرعي كنا محرمين ما لم يحرمه الله ، بخلاف العقود التي تتضمن شرع دين لم يأذن به الله" انتهى مختصرا من "القواعد النورانية" (ص272-277) .
وينظر : "إعلام الموقعين" لابن القيم (3/301) .
وقال الشيخ ابن عثيمين :
"جميع الشروط جائزة إلا ما دل الدليل على منعه لقوله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) وهذا يشمل الوفاء بأصل العقد وبوصفه وهو الشروط ولقوله تعالى ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً ) ولقوله في مدح عباد الله الصالحين ( وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا ) .
فالصواب أن الأصل في الشروط الحل والصحة واللزوم إلا ما دل دليل على منعه " انتهى من "التعليق على الكافي" (1/353) بترقيم الشاملة .
غير أن العامل في هذه الشركة لو ترك عمله ، ابتداء من نفسه ، من غير إغراء منك ، ولا مواعدة له ، ولا تسبب منك في ذلك : فلا حرج عليك في التعاقد معه بعد ذلك ؛ لأنك لما تعاقدت معه : لم يكن موظفا لدى الشركة ، وليس بينه وبينهم عقد ملزم بعمله .
والله أعلم .
تعليق