الحمد لله.
لا حرج في الصلاة على السجادة الطبية إذا كانت تنكبس، تحت أعضاء المصلي، ويمكنه تمكين جبهته عليها عند السجود، بحيث تستقر رأسه على الأرض، أو على ما اتصل بها ، فيصدق عليه أنه سجد على الأرض، ولا يكون كالمعلق ، الذي كلما ضغط ، ينزل رأسه ، ولا ينتهي إلى شيء؛ فهذا لا يصدق عليه أنه سجد على الأرض ، أو متصل بالأرض بل سجد على الهواء، فلا يصح.
وقد روى أحمد (2604) ابْنَ عَبَّاسٍ، يَقُولُ: سَأَلَ رَجُلٌ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ أَمْرِ الصَّلاةِ؟ فكان فيما قال لَهُ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (وَإِذَا سَجَدْتَ فَأَمْكِنْ جَبْهَتَكَ مِنَ الأَرْضِ، حَتَّى تَجِدَ حَجْمَ الأَرْضِ)
والحديث حسنه محققو المسند.
قال السندي: " و"حجم الأرض"، قال في "القاموس": الحجم من الشيء: ملمسه الناتئ تحت يدك" انتهى.
وقد نبه الفقهاء من جميع المذاهب على هذا.
ففي المذهب الحنفي:
قال السرخسي في المبسوط (1/ 205) : " قال : ( ولا بأس بأن يصلي على الثلج، إذا كان ممكنا يستطيع أن يسجد عليه ) معناه : أن يكون موضع سجوده متلبدا ; لأنه حينئذ يجد جبينه حجم الأرض ، فأما إذا لم يكن متلبدا ، حتى لا يجد جبينه حجم الأرض حينئذ : لا يجزيه ; لأنه بمنزلة السجود على الهواء.
على هذا: السجود على الحشيش ، أو القطن : إن شغل جبينه فيه ، حتى وجد حجم الأرض : أجزأ ، وإلا ، فلا .
وكذلك : إذا صلى على طنفسة محشوة : جازت صلاته ، إذا كان متلبدا " انتهى.
وقال ابن الهمام في "فتح القدير" (1/304) : " يجوز السجود على الحشيش والتبن والقطن إن وجد حجم الأرض ، وكذا الثلج الملبّد ، فإن كان بحالٍ يغيب فيه وجهُه ، ولا يجد الحجم : لا " انتهى .
وقال ابن نجيم في "البحر الرائق" (1/337) : " والأصل كما أنه يجوز السجود على الأرض، يجوز على ما هو بمعنى الأرض ، مما تجد جبهتُه حجمَه ، وتستقر عليه.
وتفسير وجدان الحجم: أن الساجد لو بالغ ، لا يتسفّل رأسه أبلغ من ذلك.
فيصح السجود على الطنفسة والحصيرة ، والحنطة والشعير ، والسرير والعجلة ، إن كانت على الأرض ; لأنه يجد حجم الأرض " انتهى .
وفي المذهب المالكي:
قال الدردير رحمه الله: " ويشترط استقرارها على ما يسجد عليه ، فلا يصح على تبن أو قطن إلا إذا اندك" انتهى من الشرح الكبير مع الدسوقي (1/ 240).
وفي المذهب الشافعي:
قال النووي رحمه الله: " الصحيح من الوجهين : أنه لا يكفي في وضع الجبهة الإمساس ، بل يجب أن يتحامل على موضع سجوده بثقل رأسه وعنقه ، حتى تستقر جبهته .
فلو سجد على قطن أو حشيش أو شيء محشو بهما : وجب أن يتحامل حتى ينكبس ، ويظهر أثره على يد - لو فرضت تحت ذلك المحشو - فإن لم يفعل لم يجزئه" انتهى من المجموع (3/ 398).
وهذا التحامل خاص بالجبهة، ولا يجب التحامل في وضع الركبتين واليدين وأصابع القدمين، كما في حاشية الشرواني على تحفة المحتاج (2/73) .
وفي المذهب الحنبلي:
قال المرداوي رحمه الله: " قال الأصحاب : لو سجد على حشيش ، أو قطن ، أو ثلج ، أو برد ونحوه ، ولم يجد حجمه : لم يصح ، لعدم المكان المستقر " انتهى من الإنصاف (2/ 70).
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله عن حكم السجود على الاسفنج . فأجاب : " إذا كان الاسفنج خفيفاً ينكبس عند السجود عليه فلا بأس "انتهى من "فتاوى ابن عثيمين" (13/184).
والحاصل : أنه لا حرج في الصلاة على السجادة الطبية، إذا كانت تثبت وتستقر بالضغط عليها عند السجود، بحيث يمكن المصلي جبهته عليها.
وأما الركبتان، فلا يجب تمكينهما كما تقدم، فلو كانت السجادة تميد تحتهما فلا يضر.
وإذا كانت تميد ولا تستقر، فليجعلها المريض تحت ركبتيه فقط، ولا يضع جبهته عليها.
والله أعلم.
تعليق