الخميس 6 جمادى الأولى 1446 - 7 نوفمبر 2024
العربية

حكم إفشاء سر الأم وكيفية التغلب على الحزن على فقد الأخ ؟

263946

تاريخ النشر : 28-08-2017

المشاهدات : 11731

السؤال

اعتنقت الإسلام وأنا في ال18 من عمري ، ربتني أمي الوثنية ، عندما كنت في ال13 من عمري أخبرتني أمي بأنها أجهضت حملها ، وكان ذلك عندما كنت في حوالي الثانية من عمري ، وطلبت مني بأن أحتفظ بهذا السر ، أريد أن أفِي بعهدي لأمي واحتفظ بسرّها، لكني أيضاً بشكل ملح أريد إخبار زوجي بهذا السر، أشعر بمرارة عظيمة لموت أخي/أختي ولا أعلم كيف أتعامل مع هذا الأمر بمفردي ، أنا أفكر يومياً بهذا الأمر. أشعر بأني فقدت شخصاً أحبه ، رغم أنه لم تتح لي الفرصة لمعرفته/معرفتها. سؤالي هو: هل بإمكاني إخبار زوجي، على الرغم من الوعد الذي قطعته على نفسي بحفظ سر الإجهاض ؟ كيف أستطيع التغلب على حزني على فقد أخي/أختي بصورة صحيحة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

قال تعالي : ( وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا ) الإسراء/34

قال الحافظ ابن كثير رحمه الله في ( تفسيره ) : " وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ أَيِ الَّذِي تُعَاهِدُونَ عَلَيْهِ النَّاسَ، وَالْعُقُودَ الَّتِي تُعَامِلُونَهُمْ بِهَا، فَإِنَّ الْعَهْدَ وَالْعَقْدَ : كُلٌّ مِنْهُمَا يُسْأَلُ صَاحِبُهُ عَنْهُ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولا ؛ أَيْ: عَنْهُ " . انتهى .

وفي سنن الترمذي (1959) ، وغيره ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ الحَدِيثَ ثُمَّ التَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ . حسنه الألباني .

وعَنِ الْحَسَنِ رَحِمَهُ اللَّهُ، قَالَ: " إِنَّ مِنَ الْخِيَانَةِ أَنْ تُحَدِّثَ بِسِرِّ أَخِيكَ " . انتهى، من "الصمت" لابن أبي الدنيا (404) .

قال البغوي رحمه الله :

" وَقَالَ عُمَر بْن الْخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: لَا تصْحَب الْفَاجِر، فيحملك عَلَى الْفُجُور، وَلَا تفش إِلَيْهِ سرك، وشاور فِي أَمرك الّذين يَخْشونَ اللَّه.

وَقَالَ عَبْد اللَّه بْن مَسْعُود: قُولُوا خيرا تعرفوا بِهِ، وَاعْمَلُوا بِهِ تَكُونُوا مِن أَهله، وَلَا تَكُونُوا عجلاء مذاييع بذرا.

المذاييع وَالْبذْر وَاحِد: هُم الّذين يفشون لما يسمعُونَ مِن السِّرّ، يقَالَ: أذاع السِّرّ، إِذا أفشاه، قَالَ اللَّهُ عز وَجل: أَذَاعُوا بِهِ [النِّسَاء: 83] .

وَالْبذْر مِن قَوْلهم: بذرت الْكَلَام بَين النّاس كَمَا يبذر الْحُبُوب، وَاحِدهَا بذور...

وَقَالَ مَكْحُول: إِذا حَدثَك الرجل بِحَدِيث، ثُمَّ الْتفت هَل يسمعهُ أحد، فقد لزمك كِتْمَانه." انتهى، من " شرح السنة" (13/191-192) .

ولا فرق في أمانة الحديث والمجالس ، ووجوب الوفاء بالعهد ، وحفظ السر = لا فرق في ذلك كله بين أن يكون صاحب الأمانة والسر : مؤمنا أو كافرا ، برا أو فاجرا ، فالأمر بالوفاء بالعهد والميثاق ، وحفظ الأمانات وأدائها إلى أهلها : عام في ذلك كله ، وهو حق لكل أحد ، على كل أحد ؛ ألا يخون ، ولا يغدر ، ولا يفشي سره ، ولا يهتك ستره .

فإذا كان صاحب الأمانة والسر من الأرحام : فحقه أوكد .

فكيف إذا كان صاحب السر : هو أمك أنت ؟!

لا شك أن حقها عليك ، وحق الأمانة ، وحق الوفاء ... = يوجب عليك أن تحفظي سر أمك ، وما استأمنتك عليه .

 ثانيا :

للتخلص من هذه الأفكار الملحة بشأن فقدان أخيكِ أو أختكِ : فاعلمي أرشدنا الله وإياكِ أن هذا له مسلكان ، مسلك شرعي ، ومسلك نفسي .  

فأما المسلك الشرعي : فبعلمك أن قدر الله نافذ لا محالة ، وأن ما أصابنا لم يكن ليخطأنا ، وأن ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا ، فهذا أعظم ما يدفع عن المرء الأسى تسخطا على ما فات ، أو الفرح تفاخرا بما هو آت . قال تعالي : ( مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * لِكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ ) الحديد/22-23 

فال الإمام الجلال المحلي في ( تفسير الجلالين ) :

مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَة فِي الْأَرْض بِالْجَدْبِ وَلَا فِي أَنْفُسكُمْ كَالْمَرَضِ وَفَقْد الْوَلَد إلَّا فِي كِتَاب يَعْنِي اللَّوْح الْمَحْفُوظ مِنْ قَبْل أَنْ نَبْرَأهَا نَخْلُقهَا ، وَيُقَال فِي النِّعْمَة كَذَلِكَ إن ذلك على الله يسير .

لِكَيْلَا أَيْ أَخْبَرَ تَعَالَى بِذَلِكَ لِئَلَّا تَأْسَوْا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا فَرَح بَطَر ، بَلْ فَرَح شُكْر عَلَى النِّعْمَة بِمَا آتَاكُمْ أَعْطَاكُمْ وَاَللَّه لَا يُحِبّ كُلّ مُخْتَال مُتَكَبِّر بِمَا أُوتِيَ فَخُور بِهِ على الناس " .

وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :

( مَا كَتَبَ اللهُ خَلْقَ نَسَمَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ إِلَّا سَتَكُونُ ) .

رواه البخاري 6603 ومسلم 1438

فما من نسمة كتب الله أنها كائنة إلا كانت ، وما من نسمة كتب الله أنها غائبة إلا غابت .  

وأما المسلك النفسي : فننصح باللجوء إليه في حالة استمرار هذه الفكرة في الإلحاح عليكِ ، مع ظهور أعراض للتوتر والقلق معها ، والتفكير المتواصل بشأنها ، فهاهنا ننصح باستشارة أخصائية نفسية لمعرفة ملابسات هذه الفكرة بشكل أعمق ، وإيجاد الحلول العملية للتخلص من آثارها السلبية عليكِ .  

نسأل الله أن يصرف عنا وعنكم كل سوء .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب