الحمد لله.
لا يُمنع المريض من مخالطة الأصحاء إلا إن كان مرضه مما يتأذى منه الناس ، ويمثل له الفقهاء بأمراض لها خطر وعدوى ظاهرة .
قال الرحيباني الحنبلي :
" ( وَيُمْنَعُ أَبْرَصُ وَمَجْذُومٌ يُتَأَذَّى بِهِ ) مِنْ حُضُورِ مَسْجِدٍ وَجَمَاعَةٍ ; ( فَلا يَحِلُّ لِمَجْذُومٍ مُخَالَطَةُ صَحِيحٍ بِلا إذْنِهِ ) , أَيْ : الصَّحِيحِ . فَإِنْ أَذِنَ بِذَلِكَ ; جَازَ لَهُ مُخَالَطَتُهُ , لِحَدِيثِ (لا طِيَرَةَ وَلا عَدْوَى) الْحَدِيثَ .
( وَعَلَى وَلِيِّ أَمْرٍ مَنْعُهُ ) , أَيْ : الْمَجْذُومِ مِنْ مُخَالَطَةِ الأَصِحَّاءِ , لِحَدِيثِ ( فِرَّ مِنْ الْمَجْذُومِ فِرَارَك مِنْ الأَسَدِ ) " انتهى من "مطالب أولي النهى" (1/699) .
وقال البهوتي في "كشاف القناع" (6/126) :
" ( ولا يجوز للجُذَمَاء مخالطة الأصحاء عموما، ولا مخالطة أحد معيَّن صحيح إلا بإذنه، وعلى ولاة الأمور منعهم من مخالطة الأصحاء بأن يسكنوا في مكان منفرد لهم ) ونحو ذلك .
وإذا امتنع ولي الأمر من ذلك أو المجذوم أثم، وإذا أصر على ترك الواجب مع علمه به: فسق، قاله في الاختيارات ، وقال كما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وخلفائه وكما ذكر العلماء " انتهى .
أما الزكام والانفلونزا فلا يُمنع المصاب بها من مخالطة الناس ، لأنها من الأمراض الشائعة ، وإن قُدّر أن للزكام ضررا فهو يسير مغتفر ، والعدوى به ليست سريعة ، ولا ذات خطر .
فإنا نجد المزكوم يكون في بيته مع أهله وأبنائه ويذهب إلى عمله ويحضر إلى مدرسته بين الطلاب إن كان طالبا أو بين المعلمين إن كان معلما ، وفي السوق يخالط الناس ويشتري ما يريد ولا تحصل العدوى ولا ينتقل المرض ولا شيء من ذلك ، بل ولا يسمح له الأطباء بإجازة عن وظيفته لأجل ذلك ، وهذا إقرار من الأطباء بمحدودية العدوى في هذا المرض .
وقد كان أناس يجلسون مع النبي صلى الله عليه وسلم فيعطسون ويشمّتهم رسول الله ، ثم يتكرر منهم العطاس فيقول (الرجل مزكوم) ، ولم يرد أنه قال إذا كنت كذلك فلا تغشنا في مجالسنا .
فعن سَلَمَةَ بْنِ الأَكْوَعِ أَنَّهُ سَمِعَ النَّبِىَّ -صلى الله عليه وسلم- وَعَطَسَ رَجُلٌ عِنْدَهُ فَقَالَ لَهُ يَرْحَمُكَ اللَّهُ ثُمَّ عَطَسَ أُخْرَى فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم الرَّجُلُ مَزْكُومٌ رواه مسلم (7681) .
وفي رواية الترمذي (2743) أنه قال له في الثالثة : أنت مزكوم.
وهناك آداب للعطاس والسعال وهي متأكدة في حق المريض حتى لا يؤذي أحدا ، منها : أن يضع منديلا على أنفه وفمه عند السعال والعطاس ، وأن لا يفعل ذلك في وجه أحد من الناس .
وينبغي التنبه إلى أن من الانفلونزا أنواع خطيرة قد نبه عليها الأطباء وحذروا من مخالطة أصحابها وقرروا الحجر الصحي على المصاب بها ؛ فلا يخالط الأصحاء إلا بإذنهم .
وكذا إذا كان الزكام شديدا يتأذى به الناس فإنه لا يحضر الجماعة والجمعة ويعذر في تركها، كما سبق بيانه في جواب السؤال (115117)
والله أعلم .
تعليق