الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

حول صحة حديث عن الدجال

264264

تاريخ النشر : 23-08-2017

المشاهدات : 90682

السؤال

اطلعت على حديث طويل فى أحد المواقع الإسلامية ونسب لمسند أبي شيبة ، قال عثمان أبى العاص : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( يكون للمسلمين ثلاثة أمصار : مصر بملتقى البحرين ، ومصر بالجزيرة ، ومصر بالشام ، فيفزع الناس ثلاث فزعات فيخرج الدجال .....الحديث هل صح ثبوت هذا الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ وماهو معناه على فرضية عدم صحته ؟ وهل صحت أقوال عن السلف فى ثبوت والدين للدجال غير أحادبث بن صياد ؟ وانتشر فى مواقع التواصل أن الدجال عينة كأنها نخأمة على حائط مخصص ، فهل ثبت هذا الوصف ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

المسيح الدجال من أعظم الفتن التي تكون آخر الزمان ، وكان صلى الله عليه وسلم يتعوذ بالله منها ، وقد جاء في السنة الأحاديث الكثيرة الصحيحة في وصفه وصفا دقيقا ، وهناك أحاديث أخرى ضعيفة ومنها الموضوع المكذوب في شأنه أيضا ، ومن أراد الازدياد فليرجع إلى كتاب "قصة المسيح الدجال" للشيخ الألباني رحمه الله فإنه نافع في بابه .

أما الحديث الذي أورده السائل فهو ضعيف ، ولم يخرجه ابن أبي شيبة في مسنده ، وإنما أخرجه أحمد في "مسنده" (17900) ، والطبراني في "المعجم الكبير" (9/60) ، وابن أبي شيبة في "مصنفه" (37478) ، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" (1/197) ، من طريق حماد بن سلمة عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ ، قَالَ:

أَتَيْنَا عُثْمَانَ بْنَ أَبِي الْعَاصِ فِي يَوْمِ جُمُعَةٍ لِنَعْرِضَ عَلَيْهِ مُصْحَفًا لَنَا عَلَى مُصْحَفِهِ ، فَلَمَّا حَضَرَتِ الْجُمُعَةُ أَمَرَنَا فَاغْتَسَلْنَا ، ثُمَّ أُتِينَا بِطِيبٍ فَتَطَيَّبْنَا ، ثُمَّ جِئْنَا الْمَسْجِدَ ، فَجَلَسْنَا إِلَى رَجُلٍ ، فَحَدَّثَنَا عَنِ الدَّجَّالِ ، ثُمَّ جَاءَ عُثْمَانُ بْنُ أَبِي الْعَاصِ ، فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَجَلَسْنَا ، فَقَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:

( يَكُونُ لِلْمُسْلِمِينَ ثَلَاثَةُ أَمْصَارٍ: مِصْرٌ بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ ، وَمِصْرٌ بِالْحِيرَةِ ، وَمِصْرٌ بِالشَّامِ ، فَيَفْزَعُ النَّاسُ ثَلَاثَ فَزَعَاتٍ ، فَيَخْرُجُ الدَّجَّالُ فِي أَعْرَاضِ النَّاسِ ، فَيَهْزِمُ مَنْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ .

فَأَوَّلُ مِصْرٍ يَرِدُهُ الْمِصْرُ الَّذِي بِمُلْتَقَى الْبَحْرَيْنِ ، فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ ، نَنْظُرُ مَا هُوَ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ ، وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ ، وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ .

ثُمَّ يَأْتِي الْمِصْرَ الَّذِي يَلِيهِ فَيَصِيرُ أَهْلُهُ ثَلَاثَ فِرَقٍ: فِرْقَةٌ تَقُولُ: نُشَامُّهُ وَنَنْظُرُ مَا هُوَ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بالْأَعْرَابِ ، وَفِرْقَةٌ تَلْحَقُ بِالْمِصْرِ الَّذِي يَلِيهِمْ بِغَرْبِيِّ الشَّامِ .

وَيَنْحَازُ الْمُسْلِمُونَ إِلَى عَقَبَةِ أَفِيقٍ ، فَيَبْعَثُونَ سَرْحًا لَهُمْ ، فَيُصَابُ سَرْحُهُمْ ، فَيَشْتَدُّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَتُصِيبُهُمْ مَجَاعَةٌ شَدِيدَةٌ ، وَجَهْدٌ شَدِيدٌ ، حَتَّى إِنَّ أَحَدَهُمْ لَيُحْرِقُ وَتَرَ قَوْسِهِ فَيَأْكُلُهُ ، فَبَيْنَمَا هُمْ كَذَلِكَ إِذْ نَادَى مُنَادٍ مِنَ السَّحَرِ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَتَاكُمُ الْغَوْثُ ، ثَلَاثًا ، فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: إِنَّ هَذَا لَصَوْتُ رَجُلٍ شَبْعَانَ ، وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ: يا  رُوحَ اللهِ ، تَقَدَّمْ صَلِّ ، فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي ، فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ ، أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ ، فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ، فَيَضَعُ حَرْبَتَهُ بَيْنَ ثَنْدُوَتِهِ ، فَيَقْتُلُهُ وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ ، فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ ". انتهى

وإسناده ضعيف ، لأجل علي بن زيد بن جدعان ، فقد ضعفه أحمد وابن معين والنسائي ، انظر "تهذيب الكمال" (20/437) ، وقال ابن سعد في "الطبقات" (7/252) :" كَانَ كَثِيرَ الْحَدِيثِ ، وَفِيهِ ضَعْفٌ ، وَلَا يُحْتَجُّ بِهِ " ، وقال أبو حاتم كما في "الجرح والتعديل" (6/187) :" ليس بقوي يكتب حديثه ولا يحتج به ". وقال ابن حبان في "المجروحين" (673) :" وَكَانَ يهم فِي الْأَخْبَار ويخطئ فِي الْآثَار حَتَّى كثر ذَلِك فِي أخباره وَتبين فِيهَا الْمَنَاكِير الَّتِي يَرْوِيهَا عَن الْمَشَاهِير فَاسْتحقَّ ترك الِاحْتِجَاج بِهِ " ، وقال النووي في "تهذيب الأسماء واللغات" (428) :" وهو ضعيف عند المحدثين ".

والحديث ضعفه البوصيري في "إتحاف الخيرة" (8/141) فقال :" رَوَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ ، وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ ، وَأَبُو يَعْلَى ، وَمَدَارُ أَسَانِيدِهِمْ عَلَى ابْنِ جُدْعَانَ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ". انتهى .

وقال الشيخ الألباني في "قصة المسيح الدجال" (ص96) :" ورجاله ثقات رجال مسلم غير علي بن زيد - وهو ابن جدعان - وهو ضعيف ". انتهى

وقد وردت متابعة له لكنها لا تصح ، من طريق أيوب السختياني، أخرجها الحاكم في "المستدرك" (8473) من طريق سعيد بن هبيرة قال ثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِيِّ ، وَعَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ به .

وهذا الطريق ضعفه الذهبي ، كما في "مختصر تلخيص الذهبي" لابن الملقن (111) فقال :" قلت: فيه سعيد بن هبيرة ، وهو واه ". انتهى .

وسعيد هذا قال فيه ابن حبان في "المجروحين" (406) :" كَانَ مِمَّن رَحل وَكتب ، وَلَكِن كثيرا مَا يحدث بالموضوعات عَن الثِّقَات : كَأَنَّهُ كَانَ يَضَعهَا ، أَوْ تُوضَع لَهُ فيجيب فِيهَا ، لَا يحل الِاحْتِجَاج بِهِ بِحَال ". انتهى .

ثانيا :

بعض الجمل التي وردت في الحديث لها شواهد ، في الأحاديث الثابتة .

فمن ذلك ما يلي :

قوله :" وَمَعَ الدَّجَّالِ سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ السِّيجَانُ ، وَأَكْثَرُ تَبَعِهِ الْيَهُودُ وَالنِّسَاءُ " .

لها شاهد عند مسلم في صحيحه (2944) من حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:" يَتْبَعُ الدَّجَّالَ مِنْ يَهُودِ أَصْبَهَانَ ، سَبْعُونَ أَلْفًا عَلَيْهِمُ الطَّيَالِسَةُ " .

قوله :" وَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ عِنْدَ صَلَاةِ الْفَجْرِ ، فَيَقُولُ لَهُ أَمِيرُهُمْ: يا  رُوحَ اللهِ ، تَقَدَّمْ صَلِّ ، فَيَقُولُ هَذِهِ الْأُمَّةُ أُمَرَاءُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ ، فَيَتَقَدَّمُ أَمِيرُهُمْ فَيُصَلِّي ".

لها شاهد عند مسلم في صحيحه (156) من حديث جابر بن عبد الله مرفوعا ، وفيه :" فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا ، فَيَقُولُ: لَا ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ تَكْرِمَةَ اللهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ ".

 قوله :" فَإِذَا قَضَى صَلَاتَهُ ، أَخَذَ عِيسَى حَرْبَتَهُ ، فَيَذْهَبُ نَحْوَ الدَّجَّالِ ، فَإِذَا رَآهُ الدَّجَّالُ ، ذَابَ ، كَمَا يَذُوبُ الرَّصَاصُ ".

لها شاهد عند مسلم في صحيحه (2897) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا ، وفيه :" فَيَنْزِلُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآهُ عَدُوُّ اللهِ ، ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَهُ لَانْذَابَ حَتَّى يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُهُ اللهُ بِيَدِهِ ، فَيُرِيهِمْ دَمَهُ فِي حَرْبَتِهِ " .

قوله :" وَيَنْهَزِمُ أَصْحَابُهُ ، فَلَيْسَ يَوْمَئِذٍ شَيْءٌ يُوَارِي مِنْهُمْ أَحَدًا ، حَتَّى إِنَّ الشَّجَرَةَ لَتَقُولُ يَا مُؤْمِنُ ، هَذَا كَافِرٌ وَيَقُولُ الْحَجَرُ يَا مُؤْمِنُ هَذَا كَافِرٌ ".

لها شاهد من حديث أخرجه مسلم في صحيحه (2922) من حديث أَبِي هُرَيْرَةَ ، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: " لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فَيَقْتُلُهُمُ الْمُسْلِمُونَ حَتَّى يَخْتَبِئَ الْيَهُودِيُّ مِنْ وَرَاءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَرِ ، فَيَقُولُ الْحَجَرُ أَوِ الشَّجَرُ: يَا مُسْلِمُ يَا عَبْدَ اللهِ هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي ، فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ ، إِلَّا الْغَرْقَدَ ، فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ".

ثالثا :

وأما على فرض صحة الحديث ، وهو ضعيف كما قدمنا ، فمعناه على النحو التالي :

يكون للمسلمين ثلاثة أمصار ، وهي المدن التي استحدثت ولم تكن من قبل ، فيخرج المسيح الدجال في أعراض الناس ، وفي لفظ " في عراض جيش" ، قال السندي في "حاشيته على مسند الإمام أحمد" (4/278) :" أي في نواحيهم لا في خواصهم " .

فيهزم الدجالُ الجيش الذي يقابله من قبل المشرق ، ثم يذهب إلى هذه الأمصار ، ويكون مع الدجال سبعون ألفا عليهم السيجان وهي الطيلسان الخضر ، قال ابن الأثير في "النهاية" (2/432) :" السّيجان جمع ساجٍ وهو الطَّيْلَسَان الأخَضَرُ . وقيل هو الطيلسان المقوَّر يُنسَج كذلك ، كأنّ القَلانِس كانت تُعْمل منها أو من نوعِها ". انتهى .

وأكثر أتباعه من اليهود والنساء ، فأول مصر يدخله ، هو المصر الذي بملتقى البحرين ، فينقسم أهل ذاك المصر إلى ثلاث فرق : الأولى تقول " نشامه " قال السندي في "حاشيته" (4/278) :" بتشديد الميم وضم حرف المضارعة ، أي نختبره وننظر ما عنده ". انتهى .

وفرقة تلحق بالأعراب ، والفرقة الثالثة تنحاز بالمصر الي يليهم .

ثم يأتي المصر الذي يليه ، فينقسم أهله ثلاث فرق ، فرقة تشامه ، أي تختبر ما عنده ، وفرقة تلحق بالأعراب ، وفرقة تلحق بالمصر الذي يليه غربي الشام .

وينحاز ، أي : يجتمع - كما قال السندي في "حاشيته" (4/278) - المسلمون إلى عَقبة أَفِيق ، وهو موضع بنواحي الأردن ، قال الزبيدي في "تاج العروس" (25/15) :" بينَ حَورانَ والغَوْرِ ، وهو الأرْدُنُّ ، ومنه عَقَبَةُ أفِيقٍ ". انتهى .

فيبعثون سرحا ، قال السندي في "حاشيته" (4/278) :" أي : ماشية ".

فتصاب هذه الماشية ، ويأخذهم جوع ، وجهد شديد ، حتى إن أحدهم ليُحرق وتر القوس ليأكله!!

وبينما هم في هذه الشدة والجوع ، إذ سمعوا مناديا في وقت السحر يقول :" أتاكم الغوث " ثلاثا... ؛ فحينئذ ينزل عيسى بن مريم عليه السلام عند صلاة الفجر ، فيقدمه الأمير للصلاة فيأبى المسيح عيسى عليه السلام ، ويصلي الأمير بالناس ، ثم يأخذ عيسى عليه السلام حربته ، ويذهب إلى الدجال فإذا رأى الدجالُ المسيحَ عيسى ذاب الدجال كما يذوب الملح ، فيقتل المسيحُ عيسى عليه السلام الدجالَ بحربته حتى تقع في ثندوته وهي لحم الثدي . قال ابن منظور في "لسان العرب" (3/106) :" الثُّنْدُوَةُ لحم الثَّدْي ، وقيل : أَصله . وقال ابن السكيت هي الثَّنْدُوَة، للحم الذي حول الثَّدْي ". انتهى ، وينهزم أصحاب الدجال من اليهود ، وينطق الحجر والشجر فيقول :" يا مؤمن هذا كافر ".

رابعا :

وأما سؤال السائل الكريم عن والدَي الدجال غير ما جاء في أحاديث ابن صياد ، فلم نقف على شيء مسند ، أو قول لبعض السلف في والدي الدجال ، إلا ما ورد في شأن ابن صياد .

وقد سبق بيان الخلاف في "ابن صياد" ، وهل هو الدجال أم لا ؟ في جواب السؤال رقم (8301).

خامسا :

وأما ما جاء في السؤال عن عين الدجال أنها كنخأمة على حائط مخصص :

فقد ورد في ذلك حديث عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه ، رُوي عنه من طريقين ، كلاهما ضعيف ، واللفظ الوارد في الطريق الأول :" كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ " ، واللفظ الوارد في الطريق الثاني :" كَأَنَّهَا نُخَاعَةٌ فِي جَنْبِ حَائِطٍ ".

أما الطريق الأول فأخرجه أحمد في "مسنده" (11752) ، والخطيب في "الفقيه والمتفقه" (938)، من طريق مجالد بن سعيد ، عن أبي الوداك ، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ:" إِنِّي خَاتَمُ أَلْفِ نَبِيٍّ ، وَأَكْثَرُ مَا بُعِثَ نَبِيٌّ يُتَّبَعُ ، إِلَّا قَدْ حَذَّرَ أُمَّتَهُ الدَّجَّالَ ، وَإِنِّي قَدْ بُيِّنَ لِي مِنْ أَمْرِهِ مَا لَمْ يُبَيَّنْ لِأَحَدٍ ، وَإِنَّهُ أَعْوَرُ وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، وَعَيْنُهُ الْيُمْنَى عَوْرَاءُ جَاحِظَةٌ ، وَلَا تَخْفَى كَأَنَّهَا نُخَامَةٌ فِي حَائِطٍ مُجَصَّصٍ ، وَعَيْنُهُ الْيُسْرَى كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ ، مَعَهُ مِنْ كُلِّ لِسَانٍ ، وَمَعَهُ صُورَةُ الْجَنَّةِ خَضْرَاءُ ، يَجْرِي فِيهَا الْمَاءُ ، وَصُورَةُ النَّارِ سَوْدَاءُ تَدَّاخَنُ ".

والحديث ضعيف لأجل مجالد بن سعيد ، فقد ضعفه يحيى بن سعيد القطان كما في "الضعفاء الصغير" للبخاري (368) ، والنسائي كما في "الضعفاء والمتروكون" (552) ، وابن سعد في "الطبقات" (6/349) ، وقال الدارقطني في "الضعفاء والمتروكين" (531) :" ليس بقوي" ، وقال أحمد :" ليس بشيء يرفع حديثا كثيرا لا يرفعه الناس ، وقد احتمله الناس " ، وقال ابن معين :" لا يحتج بحديثه " ، وقال مرة :" مجالد ضعيف واهي الحديث " ، وقال أبو حاتم :" لا يحتج بحديثه ، ليس مجالد بقوى الحديث ". انظر هذه الأقوال في "الجرح والتعديل" (8/361) ، وقال ابن حبان في "المجروحين" (3/10) :" وَكَانَ رَدِيء الْحِفْظ يقلب الْأَسَانِيد وَيرْفَع الْمَرَاسِيل لَا يجوز الِاحْتِجَاج بِهِ ". انتهى .

وأما الطريق الثاني فأخرجه أبو يعلى في "مسنده" (1074) ، وعبد بن حميد كما في "المنتخب من مسنده" (895) ، والحاكم في "المستدرك" (8621) ، وأحمد بن منيع في مسنده كما في "المطالب العالية" (4648) ، جميعا من طرق عن عطية العوفي عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه بنحوه .

وإسناده ضعيف جدا أيضا لأجل عطية العوفي ، قال الذهبي في "ديوان الضعفاء" (2843) :" مجمع على ضعفه ".

والحديث ضعفه البوصيري من الطريقين فقال في "إتحاف الخيرة" (8/136) :" وَمَدَارُ طُرِقِ حَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ هَذَا عَلَى عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ. وَرَوَاهُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ مُخْتَصَرًا جِدًّا بِسَنَدٍ فِيهِ مُجَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَهُوَ ضَعِيفٌ ". انتهى .

وقال الحافظ ابن حجر في "المطالب العالية" (13/33) بعد ذكره رواية أبي سعيد هذه قال :" وفي سياق هذا بعض مخالفة ، وما في الصحيح أصح ". انتهى

والذي ورد في الطرق الصحيحة في صفة عينه أنها كعنبة طافية .

وهذا أخرجه البخاري (3439) ومسلم (169) أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ: " إِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ ، أَلاَ إِنَّ المَسِيحَ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ العَيْنِ اليُمْنَى ، كَأَنَّ عَيْنَهُ عِنَبَةٌ طَافِيَةٌ ".

وفي صحيح مسلم (2933) قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" الدَّجَّالُ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ (كَافِرٌ) ، ثُمَّ تَهَجَّاهَا ك ف ر ؛ يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُسْلِمٍ " .

وفي صحيح مسلم أيضا (2943) أن النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ :" وَإِنَّ الدَّجَّالَ مَمْسُوحُ الْعَيْنِ ، عَلَيْهَا ظَفَرَةٌ غَلِيظَةٌ ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ ، يَقْرَؤُهُ كُلُّ مُؤْمِنٍ ، كَاتِبٍ وَغَيْرِ كَاتِبٍ ".

وتفسير ذلك كما قال القاضي عياض في "إكمال المعلم" (1/521) قال :" وقوله: " كأنَّ عينَهُ عنبة طافية "، قال الإمام: قال الأخفش: طافيةٌ بغير همز، أي ممتلئة ، قد طفَّت وبرزت ، قال غيره: " وطافئةٌ " بالهمز، أي قد ذهب ضوؤها وتقبَّضت.

قال القاضي: روايتنا في هذا الحرف عن أكثر شيوخنا بغير همز ، وتفسيرها بما تقدَّم ، وهو الذى صحَّحه أكثرهم ، وأنها ناتئةٌ كنتوء حبَّة العنب من بين صواحبها .

ووقع عند بعض شيوخنا مهموزاً ، وأنكره بعضهم ، ولا وجه لإنكاره ، وقد وصف في الحديث أنه ممسوخ العين وأنها ليست حجراءَ  ولا ناتئة ، وأنها مطموسة ، وهذه صفة حبة العنب إذا طفئت وسال ماؤها ، وبهذا فسَّر الحرف عيسى بن دينار ، وهذا يُصحِّحُ رواية الهمز .

وعلى ما جاء في الأحاديث الأخَر: " جاحظ العين ، وكأنها كوكب "، وفى رواية: " عوراء نحفاء، ولها حدقةٌ جاحظةٌ ، كأنها نُخاعةٌ في حائط مجصَّصٍ " تصح رواية غير الهمز .

لكن يجمع بين الأحاديث ، وتصح الروايتان جميعاً ، بأن تكون المطموسَة والممسوحة والتي ليست بحجراء ولا ناتئة : هي العوراء الطافئة بالهمز ، والعين اليُمنى على ما جاء هنا .

وتكون الجاحظة ، والتي كأنها كوكبٌ ، وكأنها نخاعة : هي الطافية بغير همز؛ العين الأخرى ، فتجتمع الروايات والأحاديث ولا تختلف .

وعلى هذا تجتمع رواية أعور العين اليمنى مع أعور العين اليسرى ، إذ كل واحدة منهما بالحقيقة عوراء ، إذ الأعور من كل شيء المعيب ، ولا سيما بما يختص بالعين، وكلا عيني الدجال معيبة عوراء ، فالممسوحة والمطموسة والطافئة ، بالهمز : عوراء حقيقة . والجاحظة التي كأنها كوكب ، وهى الطافية - بغير همز - معيبة : عوراء لعيبها ، فكل واحدة منهما عوراء ، إحداهما بذهابها ، والأخرى بعيبها ". انتهى .
وقال ابن حجر في "الفتح" (13/98) :" وَالَّذِي يَتَحَصَّلُ مِنْ مَجْمُوعِ الْأَخْبَارِ : أَنَّ الصَّوَابَ فِي (طَافِيَةٍ) : أَنَّهُ بِغَيْرِ هَمْزٍ ؛ فَإِنَّهَا قُيِّدَتْ فِي رِوَايَةِ الْبَابِ بِأَنَّهَا الْيُمْنَى . وَصَرَّحَ فِي حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُغَفَّلٍ وَسَمُرَةَ وَأَبِي بَكْرَةَ : بِأَنَّ عَيْنَهُ الْيُسْرَى مَمْسُوحَةٌ ، وَالطَّافِيَةُ هِيَ الْبَارِزَةُ ، وَهِيَ غَيْرُ الْمَمْسُوحَةِ ". انتهى .

وختاما : نسأل الله تعالى أن يعصمنا والمسلمين من فتنة المسيح الدجال ، آمين .

والله أعلم . 

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الاسلام سؤال وجواب