الحمد لله.
إذا مات الجد فإن جميع ما يملك يصير تركة، بعد سداد ما عليه من ديون وتنفيذ وصيته، إن كان ثمة دين أو وصية. وتقسم التركة على جميع ورثته.
وعلى هذا فينظر في الأرض التي تملكها جدك ، وبنى عليها : فالأمر فيها واضح، وتكون ملكا لجميع الورثة، الذكور والإناث ، على حد سواء ، تقسم بينهم حسب القسمة الشرعية ، للذكر مثل حظ الأنثيين .
والواجب على الأبناء الذين فضّلهم الجد ، وأعطى كل واحد منهم شقة : أن يدخلوا شققهم في التركة ، لتقسم على الجميع، ذكورا وإناثا .
وذلك أن تفضيل بعض الأولاد بالهبة والعطية : لا يجوز، ويلزم المفضِّل في حياته أن يعوض الباقين ، أو يسترد العطايا ممن أخذها .
فإن مات ولم يفعل ذلك، لزم من أخذ شيئا أن يحقق العدل.
والأصل في ذلك: ما روى البخاري (2586) ومسلم (1623) عَنْ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ :
( أَنَّ أَبَاهُ أَتَى بِهِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ : إِنِّي نَحَلْتُ ابْنِي هَذَا غُلَامًا ، فَقَالَ أَكُلَّ وَلَدِكَ نَحَلْتَ مِثْلَهُ ؟
قَالَ : لَا .
قَالَ: فَارْجِعْهُ ).
ومعنى (نحلت ابني غلاما) أي أعطيته غلاما.
ورواه البخاري (2587) عَنْ عَامِرٍ قَالَ سَمِعْتُ النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ : ( أَعْطَانِي أَبِي عَطِيَّةً . فَقَالَتْ عَمْرَةُ بِنْتُ رَوَاحَةَ لَا أَرْضَى حَتَّى تُشْهِدَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ إِنِّي أَعْطَيْتُ ابْنِي مِنْ عَمْرَةَ بِنْتِ رَوَاحَةَ عَطِيَّةً ، فَأَمَرَتْنِي أَنْ أُشْهِدَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ . قَالَ أَعْطَيْتَ سَائِرَ وَلَدِكَ مِثْلَ هَذَا؟ قَالَ لَا قَالَ:
فَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ .
قَالَ فَرَجَعَ فَرَدَّ عَطِيَّتَهُ. ) .
وفي رواية للبخاري أيضا (2650): (لَا تُشْهِدْنِي عَلَى جَوْرٍ).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عمن فضل بعض أولاده على بعض :
" والصحيح من قولي العلماء : أنه يجب عليه أن يرد ذلك في حياته ، كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم ، وإن مات ولم يرده : رُدَّ بعد موته ، على أصح القولين أيضا ، طاعة لله ولرسوله ، واتباعا للعدل الذي أمر به ، واقتداء بأبي بكر وعمر رضي الله عنهما .
ولا يحل للذي فضل أن يأخذ الفضل ، بل عليه أن يقاسم إخوته في جميع المال بالعدل الذي أمر الله به ، والله سبحانه وتعالى أعلم" انتهى من " الفتاوى الكبرى " (4/184) .
وأما الشقة التي لم يدفع فيها مال التملك للدولة ، وبقيت حكرا : فهي داخلة في التركة أيضا ، هي وجميع ما يشبهها ، مما احتكره جدك ، ولم يدفع فيه مال التملك للدولة .
لأن هذه الأرض ، وإن لم تكن ملكية الجد عليها تامة : فإن وضع اليد ، واستحقاق الانتفاع بها ، والسبق إليها : كل هذه حقوق مالية متقومة ، يعني : لها قيمة معتبرة ، وهي موروثة عن الجد ، فلا حق لبعض الورثة أن يستأثر بها دون الباقين . ولا يحق لأحد الأبناء أن يسبق فيدفع ثمنها للدولة ، ويستأثر بملكيتها ، بل هذا عدوان وظلم على حقوق إخوانه .
وعلى هذا ، فكما يلزم الأبناء أن يردوا الشقق الأربعة إلى التركة ، يلزم البنات أيضا أن يردوا هذه الشقة الخامسة إلى التركة ، ثم يعاد تقسيم جميع ما ترك الجد من أموال مملوكة ، أو حقوق مالية معتبرة ، على القسمة الشرعية بين الجميع : للذكر مثل حظ الأنثيين .
وكما أن الجميع ينتفع بالتركة وفق القسمة الشرعية ، فإن المال المستحق للدولة ، عن الشقة المتبقية ، يشترك الجميع في دفعه أيضا ، على حسب نصيب الميراث ، فيدفع الذكر فيه ضعف ما تدفع الأنثى .
فإن رضيت البنات بإبقاء الشقق الأربعة في أيدي الذكور ، واكتفوا بالشقة التي في يدهم ، فالحق لهن ، إذا طابت أنفسهن بذلك ، وكن بالغات ، راشدات .
لكن لا يحل إجبارهن على ذلك ، ولا يحل منعهن من القسمة الشرعية العادلة بين الجميع .
وأما ما أردته في سؤالك ، من بقاء الشقق في أيدي الذكور ، ثم مشاركتهم للبنات في الشقة الخامسة : فلظم مبين ، لا يحل عمله ، ولا السعي فيه .
والله أعلم.
تعليق