الثلاثاء 11 جمادى الأولى 1446 - 12 نوفمبر 2024
العربية

ما معنى كون أصل الإنجيل صحيحا ؟ وكيف نجزم بصحة نصوص في الإنجيل ؟

265035

تاريخ النشر : 22-12-2017

المشاهدات : 12038

السؤال

ما معنى كون أصل الإنجيل صحيحا ؟ وكيف نجزم بصحة نصوص في الإنجيل ، لم يُعرف نقلها الأصلي أصلا ؟

ملخص الجواب

ملخلص الجواب : أنزل الله الإنجيل ، على عيسى ابن مريم عليه السلام، لكن قد دخله التحريف ، على مر السنين . ولهذا كان الواجب رد ما في أيدي الناس منه ، إلى الدليل الشرعي الثابت : فما علم بالدليل صدقه : صدقناه ، وما علم بالدليل كذبه : كذبناه ، وما لم نعلم دليلا بشأنه : سكتنا عنه ، ووكلنا علمه إلى رب العالمين .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قد نصت آيات القرآن الكريم على أن أصل الإنجيل من الله تعالى أنزله على رسوله عيسى عليه السلام.

قال الله تعالى:

( وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ ) المائدة (46).

وقال الله تعالى:

( ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنْجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ ) الحديد (27).

وقال الله تعالى:

( نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ ) آل عمران (3).

والإيمان بهذا من أصول عقيدتنا.

قال الله تعالى:

( يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي نَزَّلَ عَلَى رَسُولِهِ وَالْكِتَابِ الَّذِي أَنْزَلَ مِنْ قَبْلُ وَمَنْ يَكْفُرْ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا ) النساء (136).

وقال الله تعالى:

( آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ ) البقرة (285).

ثانيا:

وقوع  التغيير والتبديل والتحريف في الإنجيل، أمر أشارت إليه نصوص الوحي، ويدل عليه ويؤكده الواقع.

قال ابن القيم رحمه الله تعالى:

" وأما الإنجيل فقد تقدم أن الذي بأيدي النصارى منه أربع كتب مختلفة، من تأليف أربعة رجال: يوحنا، ومتى، ومرقس، ولوقا، فكيف ينكر تطرق التبديل والتحريف إليها؟ " انتهى، من "هداية الحيارى" (ص 241).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وأما الأناجيل التي بأيدي النصارى، فهي أربعة أناجيل: إنجيل متى، ويوحنا، ولوقا، ومرقس، وهم متفقون على أن لوقا ومرقس لم يريا المسيح، وإنما رآه متى ويوحنا، وأن هذه المقالات الأربعة التي يسمونها الإنجيل، وقد يسمون كل واحد منهم إنجيلا، إنما كتبها هؤلاء بعد أن رفع المسيح، فلم يذكروا فيها أنها كلام الله، ولا أن المسيح بلغها عن الله، بل نقلوا فيها أشياء من كلام المسيح، وأشياء من أفعاله ومعجزاته.

وذكروا أنهم لم ينقلوا كل ما سمعوه منه ورأوه، فكانت من جنس ما يرويه أهل الحديث والسير والمغازي عن النبي صلى الله عليه وسلم؛ من أقواله، وأفعاله التي ليست قرآنا...

فهكذا ما ينقل في الإنجيل ، وهو من هذا النوع ، فإنه [ إن ] كان أمرا من المسيح ، فأمر المسيح أمر الله، ومن أطاع المسيح فقد أطاع الله.

وما أخبر به المسيح عن الغيب فالله أخبره به، فإنه معصوم أن يكذب فيما يخبر به...

فإذا كانت الكتب المنقولة عن الأنبياء من جنس الكتب المنقولة عن محمد  -صلى الله عليه وسلم-، ولم تكن متواترة عنهم ولم يكن تصديق غير المعصوم حجة، لم يكن عندهم من العلم بالتمييز بين الصدق والكذب ما عند المسلمين.

فهذه الأناجيل التي بأيدي النصارى من هذا الجنس فيها شيء كثير من أقوال المسيح وأفعاله ومعجزاته وفيها ما هو غلط عليه، بلا شك، والذي كتبها في الأول إذا لم يكن ممن يتهم بتعمد الكذب، فإن الواحد والاثنين والثلاثة والأربعة لا يمتنع وقوع الغلط والنسيان منهم، لا سيما ما سمعه الإنسان ورآه، ثم حدث به بعد سنين كثيرة، فإن الغلط في مثل هذا كثير، ولم يكن هناك أمة معصومة يكون تلقيها لها بالقبول والتصديق موجبا للعلم بها، لئلا تجتمع الأمة المعصومة على الخطأ، والحواريون كلهم اثنا عشر رجلا  " انتهى، من "الجواب الصحيح" (3 / 21 - 27).

ولمزيد الفائدة راجع الفتوى رقم (47516).

ثالثا:

ومع وجود أصل هذا التحريف، فإن هناك من النصوص مالم يحرف في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، كما تشير إلى ذلك نصوص الكتاب والسنة.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" والقرآن والسنة المتواترة يدلان على أن التوراة والإنجيل الموجودين في زمن النبي صلى الله عليه وسلم فيهما ما أنزله الله عز وجل، والجزم بتبديل ذلك في جميع النسخ التي في العالم متعذر، ولا حاجة بنا إلى ذكره، ولا علم لنا بذلك " انتهى، من "الجواب الصحيح" (2 / 449).

ومما يشير إلى ذلك؛ قول الله تعالى:

( فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ فَاسْأَلِ الَّذِينَ يَقْرَءُونَ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكَ لَقَدْ جَاءَكَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) يونس (94).

وقال الله تعالى:

( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) الأعراف (157).

رابعا:

فيتلخص مما مضى أن في نصوص الإنجيل ما نستطيع القطع بتحريفه، لقيام الدليل الصحيح على ذلك.

وفي الإنجيل من النصوص مالا يمتنع أن يكون من عند الله تعالى ؛ فهذا نكل علمه إلى الله تعالى، ولا نقطع فيه بشيء، ولا نصدقهم ولا نكذبهم فيه.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : ( كَانَ أَهْلُ الكِتَابِ يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ بِالعِبْرَانِيَّةِ، وَيُفَسِّرُونَهَا بِالعَرَبِيَّةِ لِأَهْلِ الإِسْلاَمِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: لا تُصَدِّقُوا أَهْلَ الكِتَابِ وَلا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: ( آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا ) الآيَةَ ) رواه البخاري (4485) .

وعن ابْنُ أَبِي نَمْلَةَ الْأَنْصَارِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، قال : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ، وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ، وَقُولُوا: آمَنَّا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ، فَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوهُ، وَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوهُ ) رواه أبوداود (3644) ، وصححه الألباني في "سلسلة الأحاديث الصحيحة" (6 / 712) .

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" وقوله تعالى:

( إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا ).

يتناول خبر كل فاسق، وإن كان كافرا، لا يجوز تكذيبه إلا ببينة، كما لا يجوز تصديقه إلا ببينة.

وفي صحيح البخاري عن أبي هريرة قال: كان أهل الكتاب يقرؤون التوراة بالعبرية، ويفسرونها بالعربية، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم، فإما أن يحدثوكم بحق فتكذبوه، وإما أن يحدثوكم بباطل فتصدقوه، وقولوا:

( آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ ).

وهذا الذي دل عليه الكتاب والسنة، من إمساك الإنسان عما لا يعلم انتفاؤه وثبوته " انتهى، من "الجواب الصحيح" (6 / 461 - 462).

فالحاصل؛ أنه مادامت التوراة والإنجيل في أصلهما من الله تعالى، فما يوجد فيهما مما لم يقطع الدليل الصحيح بكذبه، فإننا لا نستطيع القطع بتحريفه أو عدم تحريفه إلا بدليل، فإذا لم نجد دليلا فإننا نكل علمه إلى الله تعالى.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب