الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

هل يجوز أن يدفعوا للخباز دقيقا ودراهم ، ليأخذوا منه خبزا ؟

265465

تاريخ النشر : 04-06-2017

المشاهدات : 30246

السؤال

في بلدنا نعطي مادة الطحين إلى الأفران ( الخبازون ) ونعطي مبلغا من المال مع الطحين ونستلم منهم خبزا هل يجوز هذا شرعا وجزاكم الله من فضله

الجواب

الحمد لله.

أولا :

البر والشعير ونحوهما من الأقوات المطعومة المَكِيلة ، هي من الأصناف التي يجري فيها الربا التي نص عليها النبي صلى الله عليه وسلم ، بقوله :

( الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ ، مِثْلًا بِمِثْلٍ ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، يَدًا بِيَدٍ ، فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) رواه مسلم (1587) .

فلا يباع الجنس من أحدها بمثله إلا مع المماثلة ، والتقابض في مجلس العقد ، فإن اختلفت الأصناف ، مثل أن يَشتري برا بتمر فيجب التقابض قبل التفرق ، ولا تجب المماثلة ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : ( فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ ) .

ثانيا :

اختلف أهل العلم في جريان الربا بين البر وخبزه ، على ثلاثة أقوال :

القول الأول : يجوز بيع الخبز بدقيق من جنسه مع التفاضل بينهما، بشرط التقابض قبل التفرق.

قالوا : لأن دقيق البرّ تحوّل بعد خَبزِه إلى جنسٍ مستقلٍ ليس تابعاً لأصله ، فيجوز بيع بعضها ببعض مع التفاضل ، لكن يدا بيد .

وهذا قول الإمام مالك ينظر "المدونة" (3/151) .

وهو رواية عن الإمام أحمد اختارها شيخ الإسلام ابن تيمية :

جاء في مسائل إسحاق بن منصور للإمام أحمد (6/2856) : عن شراء الدقيق بالخبز :

"قال أحمد: لا بأس به، ثم سألته بعد ذلك، فجبن عنه، وأما نسيئة، فمكروه لا شك فيه" انتهى .

وقال ابن تيمية في الاختيارات ص (188) :

" وما خرج عن القوت بالصنعة: فليس بربوي ؛ وإلا ، فجنس بنفسه ، فيباع خبز بهريسة ، وزيت بزيتون ، وسمسم بشيرج " انتهى .

ابن القيم في "إعلام الموقعين" (2/163) .

فقال : "وأما الأصناف الأربعة ففرعها إن خرج عن كونه قوتا لم يكن من الربويات ، وإن كانت قوتا كان جنسا قائما بنفسه " انتهى .

وينظر : "الفروع لابن مفلح" (6/294) ، "الإنصاف" للمرداوي (12/19) .

القول الثاني : يجوز بيع الخبز بدقيق من جنسه ، ولا يشترط التماثل ولا التقابض . وهو قول أصحاب أبي حنيفة :

قالوا : لأن " الْخُبْزَ بِالصَّنْعَةِ صَارَ جِنْسًا آخَرَ، حَتَّى خَرَجَ مِنْ أَنْ يَكُونَ مَكِيلًا ، وَالْبُرُّ وَالدَّقِيقُ مَكِيلَانِ، فَلَمْ يَجْمَعْهَا الْقَدْرُ وَلَا الْجِنْسُ ؛ حَتَّى جَازَ بَيْعُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ نَسِيئَةً " انتهى من "رد المحتار لابن عابدين" (5/182) .

وقال ابن نجيم :

" (و) يصح أيضاً بيع (الخبز بالبر ، وبالدقيق ، متفاضلاً) ، في أصح الروايتين عن الإمام .  - قيل: هو ظاهر مذهب علمائنا الثلاثة ، وعليه الفتوى - عدداً ووزناً كيف ما اصطلحوا عليه لأنه بالصنعة صار جنساً آخر، والبر والدقيق مكيلان فانتفت العلتان " انتهى من "النهر الفائق شرح كنز الدقائق" (3/478) .

القول الثالث : يحرم بيع الخبز بدقيق من جنسه ، وهو قول أبي حنيفة ومذهب الحنابلة والشافعية.

وذلك أن صيرورته خبزا ؛ لا يخرجه عن كونه برا ، فبيعه بدقيق أو بر تتعذر فيه المماثلة .

قال الشيرازي في المهذب :

" ولا يجوز بيعه بخبزه ، لأنه دخله النار ، وخالطه الملح والماء ؛ وذلك يمنع التماثل . ولأن الخبز موزون ، والحنطة مكيل ؛ فلا يمكن معرفة التساوي بينهما " انتهى .

قال تقي الدين السبكي في "تكملة المجموع" :

" نَصَّ الشَّافِعِيُّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْبُوَيْطِيِّ : عَلَى أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَيْعُ الْخُبْزِ بِالْحِنْطَةِ ...

وَهَكَذَا الدَّقِيقُ بِالْخُبْزِ : لَا يَجُوزُ . وَمِمَّنْ صَرَّحَ بِهِ بِخُصُوصِهِ الْفُورَانِيُّ ...

وَكَذَلِكَ نَقَلَ الْمَنْعَ فِي ذَلِكَ : ابْنُ الْمُنْذِرِ ، عَنْ الشَّافِعِيِّ " انتهى من "المجموع" (11/122) .

وجاء في "شرح المنهاج" (2/213) :

" (وَلَا تَكْفِي مُمَاثَلَةُ الدَّقِيقِ وَالسَّوِيقِ) أَيْ دَقِيقِ الشَّعِيرِ. (وَالْخُبْزِ) ، فَلَا يَجُوزُ بَيْعُ بَعْضِ كُلٍّ مِنْهَا بِبَعْضِهِ ؛ لِلْجَهْلِ بِالْمُمَاثَلَةِ الْمُعْتَبَرَةِ بِتَفَاوُتِ الدَّقِيقِ ، فِي النُّعُومَةِ وَالْخَبْزِ فِي تَأْثِيرِ النَّارِ. " انتهى .

وقال المرداوي الحنبلي في "الإنصاف" (5/26) :

" لَا يَجُوزُ بَيْعُ خُبْزٍ بِحَبِّهِ ، وَلَا بِدَقِيقِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ مِرَارًا ، [يعني : الإمام أحمد] " انتهى .

وقال الشيخ ابن عثيمين :

"وقال شيخ الإسلام ـ رحمه الله : ما صُنع من هذه الأجناس : فإن خرج عن القوت بسبب هذا الصنع، خرج عن كونه ربوياً ، بناءً على أن العلة في الربا هي كونه قوتاً .

وإن لم يخرج : فهو جنس مستقل ، ليس تابعاً لأصله .

وعلى هذا : فيجوز أن أبيع خبزاً من البر بجريش من البر ؛ لأن كل واحد منهما اختلف اختلافاً بيناً ، لا بالنسبة لأكله ، ولا بالنسبة للقصد منه ، فيكون جنساً مستقلاً .

ولكن الاحتياط ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله ؛ لعموم قوله صلّى الله عليه وسلّم: (البر بالبر مثلاً بمثل) وهذا يعم البر على أي حال كان ، (والشعير بالشعير) كذلك يعم الشعير على أي حال " انتهى من "الشرح الممتع" (8/408) .

فالاحتياط في هذه المسألة أن يبيع البر أو الدقيق بالدراهم ، ثم يشتري بالدراهم ما شاء من خبز أو غيره .

فإن لم يمكنكم ذلك ؛ وكانت هذه المعاملة تتم مع التقابض – مع أن هذا بعيد جدا – فهي جائزة على مذهب الحنفية والمالكية ورواية عن أحمد واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم .

وإذا كانت تتم بلا تقابض – وهو الظاهر – فهي جائزة أيضا على مذهب أبي حنيفة .

ولا حرج عليكم إن شاء الله ، في الأخذ بمذهب أبي حنيفة ، في جواز هذه المعاملة ، دفعًا للحرج والمشقة ، مع ما أنتم فيه من الحاجة ، وضيق الحال .

قال السبكي رحمه الله: "يجوز التقليد للجاهل [يعني العامي الذي ليس من علماء الشريعة] والأخذ بالرخصة من أقوال العلماء بعض الأوقات، عند مسيس الحاجة من غير تتبع الرخص، ومن هذا الوجه يصح أن يقال: الاختلاف رحمة؛ إذ الرخص رحمة" انتهى من الإبهاج في شرح المنهاج (3/ 19).

على أنه إذا أمكن تصحيح هذه المعاملة ، بأن تعطوا الدقيق للخباز ، فيكون أمانة في يده ، ويخبز لكم دقيقكم بعينه ، وتستلمونه منه خبزا ، وله أجرته على هذه الصنعة : فهو المشروع في حقكم ، ما أمكنكم ذلك . وهنا تصح المعاملة بلا إشكال . وتحتاطون لأمر دينكم ، وتخرجون من اختلاف العلماء السابق ذكره .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب