الحمد لله.
لا حرج عليكم في استعمال المال في هدم المنزلين وبناء مركز إسلامي، أو في شراء أرض جديدة في منطقة أخرى، ما دام ذلك هو الأفضل والأصلح. وكذلك لا حرج في بيع قطعة الأرض الموجودة خارج المدينة.
والأصل في ذلك أنكم مؤتمنون على هذا المال، وقد جمعتموه لغرض معين، فإن لم يمكن البناء على هذه الأرض، أو أمكن البناء ، لكن وُجد ما هو أفضل ، وأنفع لعموم المسلمين منها، جاز الانتقال إليها.
والراجح من كلام أهل العلم جواز المناقلة في الوقف للمصلحة، فيباع الوقف إذا تعذر الانتفاع به، ويباع أيضا لتحصيل ما هو أفضل وأنفع.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وأما إبدال المسجد بغيره للمصلحة ، مع إمكان الانتفاع بالأول: ففيه قولان في مذهب أحمد. واختلف أصحابه في ذلك .
لكن الجواز : أظهر في نصوصه ، وأدلته" انتهى من مجموع الفتاوى (31/ 215).
وسئل رحمه الله: " عن الواقف والناذر يوقف شيئا ، ثم يرى غيره أحظ للموقوف عليه منه ، هل يجوز إبداله؛ كما في الأضحية؟
فأجاب:
" .. وأما إبدال المنذور والموقوف بخير منه ، كما في إبدال الهدي: فهذا نوعان:
أحدهما: أن الإبدال للحاجة مثل أن يتعطل ، فيباع ، ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه ، كالفرس الحبيس للغزو إذا لم يمكن الانتفاع به للغزو : فإنه يباع ، ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه. والمسجد إذا خرب ما حوله ، فتنقل آلته إلى مكان آخر، أو يباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه. أو لا يمكن الانتفاع بالموقوف عليه من مقصود الواقف ، فيباع ويشترى بثمنه ما يقوم مقامه. وإذا خرب ولم تمكن عمارته ، فتُباع العرصة ، ويُشترى بثمنها ما يقوم مقامها =
فهذا كله جائز؛ فإن الأصل إذا لم يحصل به المقصود : قام بدله مقامه.
والثاني: الإبدال لمصلحة راجحة: مثل أن يبدل الهدي بخير منه .
ومثل المسجد إذا بني بدله مسجد آخر ، أصلح لأهل البلد منه، وبِيع الأول: فهذا ونحوه جائز عند أحمد وغيره من العلماء.
واحتج أحمد بأن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - نقل مسجد الكوفة القديم إلى مكان آخر؛ وصار الأول سوقا للتمَّارين ؛ فهذا إبدال لعرصة المسجد.
وأما إبدال بنائه ببناء آخر؛ فإن عمر وعثمان بنيا مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بناء غير بنائه الأول ، وزادا فيه .
وكذلك المسجد الحرام : فقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعائشة: لولا أن قومك حديثو عهد بجاهلية لنقضت الكعبة ، ولألصقتها بالأرض؛ ولجعلت لها بابين ، بابا يدخل الناس منه ، وبابا يخرج الناس منه .
فلولا المعارض الراجح ، لكان النبي صلى الله عليه وسلم يغير بناء الكعبة.
فيجوز تغيير بناء الوقف من صورة إلى صورة؛ لأجل المصلحة الراجحة.
وأما إبدال العَرْصَة بعرصة أخرى: فهذا قد نص أحمد وغيره على جوازه ، اتباعا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث فعل ذلك عمر ، واشتُهرت القضية ، ولم تنكر" انتهى من مجموع الفتاوى (31/ 252).
وسئلت اللجنة الدائمة للإفتاء ، ما نصه :
" يوجد لدينا مسجد صغير بناه المسلمون قبل عشر سنين ، وأصبح الآن يضيق بالمصلين ، والرغبة الآن متجهة إلى توسعة المسجد ، إلا أنه قد لا يتمكن من ذلك ، ويريد شراء قطعة أرض كبيرة يقيم عليها المسجد ومدرسة لأبناء المسلمين ومرافق أخرى .
ويسأل : هل يجوز بيع أرض المسجد الحالي ، ليُستعان بقيمتها في بناء المسجد الجديد ؟
فأجابت :
" إذا كان الأمر كما جاء في الاستفتاء ، من ضيق المسجد الحالي ، وأنه لا مجال لتوسعته ، وأن الضرورة تقضي بإيجاد مسجد واسع يسع المصلين ، ومدرسة لتعليم أولاد المسلمين ، ومرافق تخدم ذلك : فإنه لا يظهر لنا مانع من بيع أرض المسجد الحالي وأنقاضه ، والاستعانة بثمن ذلك في شراء الأرض الواسعة في المكان المناسب ، وبناء المسجد والمدرسة ومرافقهما عليها ، لما في ذلك من المصلحة العامة .
لكن بشرط أن يتولى ذلك من تتوافر فيه الثقة والأمانة والدراية. وبالله التوفيق.
اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء
عبد الله بن منيع ... عبد الله بن غديان ... عبد الرزاق عفيفي ... عبد العزيز بن عبد الله بن باز " انتهى من "فتاوى اللجنة الدائمة" (16/38).
وينبغي أن يتم ذلك بالتشاور بين القائمين على جمع المال، وأن يكون غرضهم تحقيق المصلحة، والوصول إلى أكمل الصور الممكنة، وأنفعها لعموم المسلمين ، وألا يكون ذلك ذريعة إلى الخلاف والشقاق.
والله أعلم.
تعليق