الحمد لله.
العمل الذي تقوم به الخطَّابة فيه كثير من الجهالة من حيث صفتُه ونوع المهام التي تباشرها ، مما يجعله تعاقدا على " منفعة مجهولة" لا يمكن ضبطها وتحديدها بشكل واضح للطرفين .
ولذا لا يصح تكييف عملها على أنه "عقد إجارة" ، والذي يكون العمل فيه محددا ويجوز فيه اشتراط جزء من الأجرة مقدماً ، ويستحق فيه الأجير كامل الأجرة فور فراغه من القيام بالعمل المطلوب منه سواء تحققت النتيجة المرجوة أم لا .
والتكييف الصحيح لمثل هذه الأعمال أنها من باب "عقد الجعالة " ، وهو عقد يقوم فيه الطرف الأول بالتزام "جُعل محدد" -أي مبلغ مالي معين- لمن حقق له مطلوبة كرد سيارته المفقودة ، أو تحصيل عروس بالصفات المطلوبة ، ونحو ذلك .
وعقد الجعالة يغتفر فيه الجهالة في العمل ، فلا يشترط معرفة تفاصيل العمل الذي سيقوم به الطرف الثاني ، ولا الزمن الذي يستغرقه . بشرط أن يكون العمل المطلوب محددا ، فلا يصح أن يكون الاتفاق على مجرد البحث عن زوجة ، وإنما يكون الاتفاق على البحث عن زوجة وإيجادها حسب المواصفات المطلوبة .
جاء في المعايير الشرعية (ص 426، 427) المعيار رقم (15) الخاص بالجعالة :
"تصح الجعالة مع جهالة العمل ، شريطة تحديد النتيجة المطلوب تحقيقها بالعمل...
لا مانع من اشتراط تقديم الجعل أو جزء منه عند العقد أو بعده ولو قبل إنجاز العمل ، ولكنه يعتبر دفعة تحت الحساب ، ولا يستحقها العامل إلا بتحقق النتيجة ، وللجاعل استردادها في حال عدم الاستحقاق" انتهى .
"ففي عقد الجعالة" لا يستحق العامل أجرةً إلا إذا أنجز المهمة المطلوبة منه على وجه الكمال والتمام .
قال الجويني : " إن المجعول له لا يستحق من الجُعل شيئاً ما لم يُتم العمل ، هذا متفق عليه... فإن موضوع هذه المعاملة على تحصيل تمام المقصود من العمل ، فإذا لم يحصل ، لم يثبت للعامل استحقاقٌ.
... ويتصل به : ما لو عسُر عليه إتمام العمل؛ فإنه لا يستحق الجُعْلَ، وإن لم يقصِّر ؛ وفاقاً... والجملة : أن تمام العمل لا بد منه، ولا يحصل استحقاقُ جزء من الجُعل دونه". انتهى من "نهاية المطلب في دراية المذهب" (8/ 496).
فإذا حصَّلت لك مطلوبك : استحقت المال المتفق عليه بينكما ، وإذا لم تجد لم تستحق شيئاً.
وبناء على ما سبق :
لا يحق للخطابة أن تشترط عربونًا مقدمًا غير مسترد ؛ لأنها لا تستحق الجعل إلا بتحقيق المطلوب.
والله أعلم
تعليق