الأربعاء 15 شوّال 1445 - 24 ابريل 2024
العربية

لا يسن الحمد مع التسمية قبل الأكل أو الشرب .

269137

تاريخ النشر : 19-08-2017

المشاهدات : 34627

السؤال

من السنة المهجورة قول : الحمد لله قـبـل الأكـل ، فعن أبي هريرة ـ رضي الله عنه ـ قال : أعطيت النبي صلى الله عليه وسلم القدح فحمد الله وسمّى رواه البخاري (6087) قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : ومن فوائد الحمد : أن الإنسان إذا ابتدأ الشيء بحمد الله فإن الله تعالى يجعل فـيه الـبـركـة انتهى من شرح رياض الصالحين (٥/٤) . هذا المنشور انتشر على موقع الفيس بوك ، فهل هذه سنة نأخذها عن النبي عليه الصلاة والسلام ؟ أم أن الحديث مأخوذ من موقف للرسول مع أبي هريرة ولا تكون سنة ؟

الجواب

الحمد لله.

أولا :

المسنون قبل الأكل أو الشرب هو التسمية ، وليس الحمد ، فحمد الله تعالى قبل الأكل ليس سنة، وإنما يكون الحمد بعد الأكل .

ثانيا :

ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم أُتي بلبن فحمد الله وسمى وشرب .

لكن لا يصح الاستدلال بهذا الحديث على مشروعية الحمد قبل الأكل أو الشرب ؛ لأن سياق الحديث يدل على أن حمده صلى الله عليه وسلم في ذلك الموقف: لم يكن لابتداء الشرب ، وإنما كان لما وضعه الله عز وجل من البركة في ذلك الإناء ؛ حتى ارتوى أصحاب الصّفة رضي الله عنهم وشربوا ، ولم ينفد .

فعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم فدخل بيته " فَوَجَدَ لَبَنًا فِي قَدَحٍ ، فَقَالَ: مِنْ أَيْنَ هَذَا اللَّبَنُ ؟ قَالُوا: أَهْدَاهُ لَكَ فُلَانٌ أَوْ فُلَانَةٌ ، قَالَ: أَبَا هِرٍّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: الْحَقْ إِلَى أَهْلِ الصُّفَّةِ فَادْعُهُمْ لِي ، قَالَ: وَأَهْلُ الصُّفَّةِ أَضْيَافُ الْإِسْلَامِ ، لَا يَأْوُونَ إِلَى أَهْلٍ وَلَا مَالٍ ، وَلَا عَلَى أَحَدٍ ، إِذَا أَتَتْهُ صَدَقَةٌ بَعَثَ بِهَا إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَتَنَاوَلْ مِنْهَا شَيْئًا ، وَإِذَا أَتَتْهُ هَدِيَّةٌ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ وَأَصَابَ مِنْهَا وَأَشْرَكَهُمْ فِيهَا ، فَسَاءَنِي ذَلِكَ فَقُلْتُ: وَمَا هَذَا اللَّبَنُ فِي أَهْلِ الصُّفَّةِ ، كُنْتُ أَحَقَّ أَنَا أَنْ أُصِيبَ مِنْ هَذَا اللَّبَنِ شَرْبَةً أَتَقَوَّى بِهَا ، فَإِذَا جَاءَ أَمَرَنِي فَكُنْتُ أَنَا أُعْطِيهِمْ ، وَمَا عَسَى أَنْ يَبْلُغَنِي مِنْ هَذَا اللَّبَنِ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ طَاعَةِ اللهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بُدٌّ!! فَأَتَيْتُهُمْ فَدَعَوْتُهُمْ ، فَأَقْبَلُوا فَاسْتَأْذَنُوا ، فَأَذِنَ لَهُمْ ، وَأَخَذُوا مَجَالِسَهُمْ مِنَ الْبَيْتِ ، قَالَ: يَا أَبَا هِرٍّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: خُذْ فَأَعْطِهِمْ ، قَالَ: فَأَخَذْتُ الْقَدَحَ فَجَعَلْتُ أُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ ، فَأُعْطِيهِ الرَّجُلَ فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ ، فَيَشْرَبُ حَتَّى يَرْوَى ، ثُمَّ يَرُدُّ عَلَيَّ الْقَدَحَ .

حَتَّى انْتَهَيْتُ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَقَدْ رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، فَأَخَذَ الْقَدَحَ فَوَضَعَهُ عَلَى يَدِهِ ، فَنَظَرَ إِلَيَّ فَتَبَسَّمَ ، فَقَالَ: أَبَا هِرٍّ ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: بَقِيتُ أَنَا وَأَنْتَ !!

قُلْتُ: صَدَقْتَ يَا رَسُولَ اللهِ ، قَالَ: اقْعُدْ فَاشْرَبْ ، فَقَعَدْتُ فَشَرِبْتُ ، فَقَالَ: اشْرَبْ ، فَشَرِبْتُ ، فَمَا زَالَ يَقُولُ: اشْرَبْ ، حَتَّى قُلْتُ: لَا وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ مَا أَجِدُ لَهُ مَسْلَكًا !!

قَالَ: فَأَرِنِي ، فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ ، فَحَمِدَ اللهَ ، وَسَمَّى ، وَشَرِبَ الْفَضْلَةَ " رواه البخاري (6246) .

قال الحافظ ابن حجر :

" قَوْلُهُ : ( فَحَمِدَ اللَّهَ وَسَمَّى ) ؛ أَيْ حَمِدَ اللَّهَ عَلَى مَا مَنَّ بِهِ مِنَ الْبَرَكَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي اللَّبَنِ الْمَذْكُورِ مَعَ قِلَّتِهِ ، حَتَّى رَوِيَ الْقَوْمُ كُلُّهُمْ ، وَأَفْضَلُوا " انتهى من "فتح الباري" (11/288) .

وقال بدر الدين العيني :

" قوله (فحمد الله وسمى) أما "الحمد" فلحصول البركة فيه ، وأما "التسمية" فلإقامة السنة عند الشرب" انتهى من "عمدة القاري" (23/60)

وقال القسطلاني : "فحمد الله" عز وجل على البركة وظهور المعجزة في اللبن المذكور ، حيث روي القوم كلهم ، وأفضلوا" انتهى من "إرشاد الساري" (9/263) .

وقال في "الكوثر الجاري" (10/146) :

" (فحمد الله) قبل الشرب فشكر الله على هذه المعجزة الباهرة " انتهى .

ثالثا :

ما انتشر بين الناس من نسبة استحباب البدء بحمد الله مع التسمية عند الأكل أو الشرب للشيخ ابن عثيمين رحمه الله ، فهو خطأ على الشيخ رحمه الله ، وتنزيل لكلامه في غير موضعه .

فلم يكن هذا النص المنقول عنه شرحا لحديث " فَأَعْطَيْتُهُ الْقَدَحَ ، فَحَمِدَ اللهَ وَسَمَّى وَشَرِبَ " كما أوهمه كاتبه . لأن الشيخ رحمه الله ، قد بين في شرح قصة أبي هريرة مع النبي صلى الله عليه وسلم ، أن ذلك الحمد لم يكن لابتداء الشرب، فقال :

" وهذا الحمد ليس حمدا على شربه ، بل هو حمد على ما حصل من بركة هذا اللبن ، حيث أروى أهل الصفة وأبا هريرة ، وبقي منه بقية ، وذلك أن الحمد على الأكل أو الشرب إنما يكون بعده" انتهى من "شرح البخاري" من "كتاب الرقاق – باب كيف كان عيش النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وتخليهم من الدنيا" .

وأما نص كلامه في شأن الحمد ، في أول الأمور ، فمختلف عما قاله الناقل هنا ، تماما .

قال رحمه الله في شرحه لحديث كُلُّ أمْرٍ ذِي بَالٍ لاَ يُبْدأُ فِيهِ بِالْحَمْدُ للهِ فَهُوَ أَقْطَعُ ، ونحوه من أحاديث باب الحمد والشكر :

" ومن فوائد الحمد : أن الإنسان إذا ابتدأ الشيء بحمد الله ، فإن الله تعالى يجعل فيه البركة ؛ إذا ابتدأه بحمد الله : جعل الله فيه البركة .

يعني : أراد أن يؤلف كتابا ، أو يتكلم في كلام خطبة ، أو غير ذلك ؛ إذا حمد الله : جعل الله فيه البركة .

وكل أمر لا يبدأ فيه بحمد الله فهو أقطع ، يعني منزوع البركة .

لكن قد ينوب عن الحمد غيره ، كالبسملة مثلا ؛ البسملة أيضا : يبارك الله فيها بأشياء كثيرة .

منها : أن الإنسان إذا ذبح الذبيحة ، إن قال بسم الله : حلت الذبيحة ، وكانت طيبة ، وإن قال الحمد لله لم تحل الذبيحة ، لأن الذبيحة لا تحل إلا بالبسملة ، وإذا قال عند الذبح الله أكبر ولم يقل بسم الله : لم تحل الذبيحة .

فكل أمر يبدأ فيه بالحمد لله فهو خير وبركة ؛ لكن قد ينوب عن الحمد ما سواه ، كالبسملة عند الأكل والشرب والذبح والوضوء وإتيان الرجل أهله ... " . انتهى، من "شرح رياض الصالحين" (5/462-463) .

فكلام الشيخ هنا في غاية الوضوح : أن ما جاءت السنة بالبدء فيه بالتسمية ، إنما تحصل البركة بالتسمية في أوله ، وأن هذه التسمية تغني عن الحمد في أول ذلك الأمر  ، بحسب ما جاءت به السنة .

وأن من الأمور المهمة : ما لا يشرع الحمد في أوله أصلا ، ولا تحصل به السنة ولا البركة .

والله أعلم .

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب