الحمد لله.
أولا:
لا يجوز تأجير المحل لمن يستعمله في المعصية، كتأجيره لصاحب مقهى يُعلم أو يغلب على الظن أنه يقدم الشيشة، أو يعرض الأفلام والمسلسلات المشتملة على المنكرات، أو يسمح بلعب القمار، ونحو ذلك من المحرمات؛ لأن تأجيره المحل الذي يستعمله لذلك إعانة على الإثم والعدوان. وقد قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) المائدة/2
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله : " ولا يصح بيع ما قصده به الحرام كعصير يتخذه خمرا إذا علم ذلك ، كمذهب أحمد وغيره .
أو ظنّ [ يعني : وكذلك يحرم لو ظن أنه يقصد به الحرام ] ؛ وهو أحد القولين . يؤيده أن الأصحاب قالوا: لو ظن الآجر أن المستأجر يستأجر الدار لمعصية ، كبيع الخمر ونحوها : لم يجز له أن يؤجره تلك الدار , ولم تصح الإجارة ؛ والبيع والإجارة سواء " انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/388).
وقال في "مطالب أولي النهى" (3/607) : " ولا تصح إجارة دار لتجعل كنيسة أو بيعة أو صومعة , أو بيت نار لتعبد المجوس , أو لبيع خمر وقمار ; لأن ذلك إعانة على المعصية قال تعالى : ( ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ) ..
أو استؤجرت الدار لنحو زمر وغناء , وكل ما حرمه الشارع , وهو متِّجه .
وسواء شَرَطَ ذلك المحرمَ ; بأن شرط المستأجر جعلها له بعقد , أو لا ; بأن علم بقرائن ; لأنه فعل محرم , فلم تجز الإجارة عليه .
ولمُكْرٍ [ يعني : مؤجر ] داراً ، منعُ مُكترٍ [ يعني : مستأجر ] ذمي ، من بيع خمر ، بدار مؤجرة ; لأنه معصية " انتهى .
وانظر للفائدة: جواب السؤال رقم (82873).
وعليه :
فلا يجوز أن تؤجر المحل لمن يستعمله مقهى ، إلا مع الشرط ألا يقدم فيه المحرمات.
سئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله : " لدي محلات دكاكين وأريد أن أقوم بتأجيرها على بعض صوالين الحلاقة فهل في ذلك حرج ؟
فأجاب : في ذلك حرج إذا أجرت الدكاكين للحلاقين؛ فإنه من المعلوم حسب العادة أن الحلاقين يحلقون كل شيء ، يحلقون الرأس ويحلقون اللحية بل ربما كان حلق اللحى لديهم أكثر من حلق الرؤوس هذا هو العادة والغالب .
وعلى هذا فلا يجوز تأجير الدكاكين للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها اللحى ؛ فحينئذٍ : لا بأس .
وإذا ثبت أنه حلق لحية في هذه الدكاكين كان لمؤجر الدكان أن يفسخ الإجارة ؛ لأن المستأجر أخل بشرطٍ صحيح لم يوفِ به .
هذا هو الجواب عن تأجير الدكاكين للحلاقة بمعنى أنه لا يجوز أن يؤجرها للحلاقين إلا إذا اشترط عليهم أن لا يحلقوا فيها حلقاً محرماً كحلق اللحى ، ويدل لذلك أن تأجيرها إعانةٌ لهم على فعل هذا المحرم ، وقد قال الله تعالى ( وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ) ، ويدل على تحريم أجرتها أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال : ( إن الله إذا حرم شيئاً حرم ثمنه ) والأجرة ثمن للمنفعة التي حصل عليها المستأجر" انتهى من "فتاوى نور على الدرب".
وقال رحمه الله :"كل شيء تؤجره لمحرَّم : فأنت شريك صاحبه في الإثم ، وهو حرام عليك ، حتى تأجير المكان للحلاَّق الذي يحلق اللحية : حرام ، لكن لو أجرته لحلاق على أنه يحلق الرءوس ، ثم رأيته يحلق اللحى : فهذا الإثم عليه هو ؛ لأن هناك فرقاً بين من استأجر الشيء ليعصي الله فيه ، وبين من استأجره فعصى الله فيه" انتهى" من لقاءات الباب المفتوح (43 / السؤال رقم 3).
ثانيا:
تبين مما تقدم أن تأجير المحل على النحو المذكور لا يجوز.
وأما الأجرة التي تأخذها فمختلطة، فيها الحرام والحلال؛ لأن الأجرة في مقابل المنفعة، والمستأجر ينتفع بالمحل انتفاعا محرما وانتفاعا جائزا.
والواجب عليك التوبة، ودعوة صاحب المقهى لترك المحرمات، فإن أبى فلا تجدد له العقد إلا مع الشرط.
والله أعلم.
تعليق