الحمد لله.
أولا:
يجوز للمرأة إذا حُبس زوجها، وتضررت بترك المعاشرة الزوجية، أو بترك النفقة أن تطلب الطلاق .
جاء في " الموسوعة الفقهية " ( 29 / 66 ): " ذهب المالكية إلى جواز التفريق على المحبوس إذا طلبت زوجته ذلك وادعت الضرر ، وذلك بعد سنة من حبسه ، لأن الحبس غياب ، وهم يقولون بالتفريق للغيبة مع عدم العذر ، كما يقولون بها مع العذر على سواء" انتهى .
وقد اختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ، حيث قال :
"وحصول الضرر للزوجة بترك الوطء مقتض للفسخ بكل حال ، سواء كان بقصد من الزوج أو بغير قصد ، ولو مع قدرته أو عجزه ، كالنفقة ، وأولى من الفسخ بتعذره في الإيلاء إجماعاً .
وعلى هذا : فالقول في امرأة الأسير والمحبوس ، ونحوهما ممن تعذر انتفاع امرأته به ، إذا طلبت فُرقته : كالقول في امرأة المفقود ، كما قاله أبو محمد المقدسي" انتهى من "الفتاوى الكبرى" (5/ 481).
فإذا تضررت بترك النفقة ، أو ترك المعاشرة، فلك طلب الطلاق.
ثانيا:
الأصل أنه لا يجوز للمرأة طلب الطلاق إلا عند وجود العذر المبيح لذلك، كغيبة الزوج- كما سبق- أو سوء عشرته، أو كراهتها له كراهة تمنعها من إعطائه حقه؛ لما روى أبو داود (2226) والترمذي (1187) وابن ماجه (2055) عَنْ ثَوْبَانَ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّة ) والحديث صححه الألباني في صحيح أبي داود .
وعن عقبة بن عامر رضي الله عنه مرفوعا: ( إن المختلعات هن المنافقات ) رواه الطبراني في الكبير (17/339) وصححه الألباني في صحيح الجامع برقم (1934) .
فإذا أبغضت الزوجة زوجها وكرهت العيش معه لهيئته، أو لسوء خلقه، جاز لها طلب الخلع؛ لما روى البخاري في صحيحه ( 4867 ) عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّ امْرَأَةَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ثَابِتُ بْنُ قَيْسٍ مَا أَعْتِبُ عَلَيْهِ فِي خُلُقٍ وَلا دِينٍ ، وَلَكِنِّي أَكْرَهُ الْكُفْرَ فِي الْإِسْلَامِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :( أَتَرُدِّينَ عَلَيْهِ حَدِيقَتَهُ ؟ قَالَتْ : نَعَمْ . قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : اقْبَلْ الْحَدِيقَةَ ، وَطَلِّقْهَا تَطْلِيقَةً ).
وقولها : " ولكني أكره الكفر في الإسلام " أي : أكره أن أعمل الأعمال التي تنافي حكم الإسلام، من بغض الزوج وعصيانه ، وعدم القيام بحقوقه.
ثالثا:
قد يكون لك عذر في طلب الطلاق لأجل النفقة ، أو لما ذكرت من نفورك من زوجك .
لكن الغالب أن المرأة الكريمة تصبر في مثل ذلك، وفاء لحق زوجها، وشدا لأزره في محنته ، ومراعاة لأبنائها، ونظرا للجوانب الحسنة في حياتها مع زوجها .
والحياة الزوجية لا تخلو من منغصات، وكثير من المشاكل يمكن حلها بالحوار والتفاهم، ومثل هذا السجن قد لا يطول أمده ، ونرجو أن يفرج الله عنه عما قريب .
والذي يظهر لنا من سؤالك : أن بلاءك الحقيقي إنما جاء من دخول هذا الرجل في حياتك.
وقد أخطأت خطأ بينا حين سمحت لهذا الأجنبي أن يطمع في الزواج منك.
فكيف علمت أنه يريد الزواج منك ؟ وكيف فكر هو في هذا، وصرح به أو لمّح، وأنت زوجة من رجل آخر ، وعندك أولاد ؛ لولا تساهل منك ، أو من والدك ، في إطلاعه على خاصة أمرك، وتململك من البقاء مع زوجك.
أما تصريحه أو تلميحه فمنكر عظيم، شبيه بفعل السحرة الذي يفرقون بين المرء وزوجه !!
ولا يجوز التعريض والتلميح بخطبة المطلقة الرجعية في عدتها، فكيف بالمرأة في حبال الزوجية؟!
وتوصل الرجل لاستمالة قلب المتزوجة إليه : تخبيب ، وإفساد لها على زوجها، وفيه وعيد شديد، كما في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امرَأَةً عَلَى زَوجِهَا أَوْ عَبْدًا عَلَى سَيِّدِهِ ) . رواه أبو داود ( 2175 ) وصححه الألباني في "صحيح أبي داود".
وروى أبو داود ( 5170 ) – أيضاً - عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ خَبَّبَ زَوْجَةَ امْرِئٍ أَوْ مَمْلُوكَهُ فَلَيْسَ مِنَّا ) ، وصححه الألباني في " صحيح أبي داود " .
قال الشيخ عبد العظيم آبادي – رحمه الله - : ( مَن خبَّب ) : بتشديد الباء الأولى ، أي : خدع وأفسد .
( امرأة على زوجها ) : بأن يذكر مساوئ الزوج عند امرأته ، أو محاسن أجنبي عندها " انتهى من " عون المعبود " ( 6 / 159 ) .
وقال : ( مَنْ خَبَّب زوجة امرئ ) : أي خدعها وأفسدها أو حسن إليها الطلاق ليتزوجها أو يزوجها لغيره أو غير ذلك . " عون المعبود " ( 14 / 52 ) .
ومن الفقهاء من حرم على المخبب أن يتزوج من المرأة التي أفسدها على زوجها، كما سبق بيانه في جواب السؤال رقم (84849).
والواجب عليك أن تتقي الله تعالى، وأن تصوني عرض زوجك، وأن تحفظيه في غيبته، وأن تقطعي كل علاقة مع هذا الرجل الأجنبي ، فلا يطمع منك في كلام أو سلام أو نظرة، وأن يرى منك ومن أهلك ما يقطعه عن الطمع فيك، وأن يعلم أنك حريصة على زوجك ، وعلى بيتك ، مترفعة عن الدناءة واللؤم والخيانة.
فإذا انقشع غبار هذا الدخيل، وعاد إليك رشدك، وعرفت حق زوجك، فهنا يقال: إذا تضررت بغيابه ، وطال ذلك، فلك طلب الطلاق، ثم الزواج من غيره.
ولا ننصحك حينها بالزواج من هذا الذي لم يعرف حرمة البيوت، ولم يراع حق أخيه الغائب، فهذا جدير به أن يضيعك ، ولا يحفظك.
وينظر للأهمية جواب السؤال رقم (220186).
ونسأل الله أن يفرج عن زوجك، وأن يجمع شملكما، ويصلح بالكما، ويقيكما نزغات الشيطان.
والله أعلم.
تعليق