الحمد لله.
فإن هذا الدعاء الذي ذكره السائل الكريم ، ينسب إلى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه بإسناد غير صحيح . وفيه معنى لا يصح أيضا .
فأما من ناحية الإسناد :
فَعَاد إِلَيْهِ ، وَقَالَ: يَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد استغفرت كثيرا ، وَمَا أرى فرجا مِمَّا أَنا فِيهِ.
قَالَ: لَعَلَّك لَا تحسن أَن تستغفر.
قَالَ: عَلمنِي.
قَالَ: أخْلص نيتك ، وأطع رَبك ، وَقل: اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك من كل ذَنْب ، قوي عَلَيْهِ بدني بعافيتك ، أَو نالته يَدي بِفضل نِعْمَتك ، أَو بسطت إِلَيْهِ يَدي بسابغ رزقك ، أَو اتكلت فِيهِ ، عِنْد خوفي مِنْهُ ، على أناتك ، أَو وثقت فِيهِ بِحِلْمِك ، أَو عولت فِيهِ على كرم عفوك ، اللَّهُمَّ إِنِّي أستغفرك من كل ذَنْب خُنْت فِيهِ أمانتي ، أَو بخست فِيهِ نَفسِي ، أَو قدمت فِيهِ لذتي ، أَو آثرت فِيهِ شهوتي ، أَو سعيت فِيهِ لغيري ، أَو استغويت فِيهِ من تَبِعنِي ، أَو غلبت فِيهِ بِفضل حيلتي ، أَو أحلّت فِيهِ عَلَيْك يَا مولَايَ ، فَلم تؤاخذني على فعلي ، إِذْ كنت، سُبْحَانَكَ ، كَارِهًا لمعصيتي ، لَكِن سبق علمك فِي باختياري ، واستعمالي مرادي وإيثاري ، فَحملت عني ، لم تدخلني فِيهِ جبرا ، وَلم تحملنِي عَلَيْهِ قهرا ، وَلم تظلمني شَيْئا ، يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ، يَا صَاحِبي عِنْد شدتي ، يَا مؤنسي فِي وَحْدَتي ، وَيَا حافظي عِنْد غربتي ، يَا وليي فِي نعمتي ، وَيَا كاشف كربتي ، وَيَا سامع دَعْوَتِي ، وَيَا رَاحِم عبرتي ، وَيَا مقيل عثرتي ، يَا إلهي بالتحقيق ، يَا ركني الوثيق ، يَا رجائي فِي الضّيق ، يَا مولَايَ الشفيق ، وَيَا رب الْبَيْت الْعَتِيق ، أخرجني من حلق الْمضيق ، إِلَى سَعَة الطَّرِيق ، وَفرج من عنْدك قريب وثيق ، واكشف عني كل شدَّة وضيق ، واكفني مَا أُطِيق وَمَا لَا أُطِيق ، اللَّهُمَّ فرج عني كل هم وكرب ، وأخرجني من كل غم وحزن ، يَا فارج الْهم ، وَيَا كاشف الْغم ، وَيَا منزل الْقطر ، وَيَا مُجيب دَعْوَة الْمُضْطَر ، يَا رَحْمَن الدُّنْيَا وَالْآخِرَة ورحيمها ، صل على خيرتك مُحَمَّد النَّبِي ، وعَلى آله الطيبين الطاهرين ، وَفرج عني مَا ضَاقَ بِهِ صَدْرِي ، وَعيلَ مَعَه صبري ، وَقلت فِيهِ حيلتي ، وضعفت لَهُ قوتي ، يَا كاشف كل ضرّ وبلية ، وَيَا عَالم كل سر وخفية ، يَا أرْحم الرَّاحِمِينَ ، وأفوض أَمْرِي إِلَى الله ، إِن الله بَصِير بالعباد ، وَمَا توفيقي إِلَّا بِاللَّه ، عَلَيْهِ توكلت ، وَهُوَ رب الْعَرْش الْعَظِيم.
قَالَ: الْأَعرَابِي: فاستغفرت بذلك مرَارًا ، فكشف الله عز وَجل عني الْغم والضيق ، ووسع عَليّ فِي الرزق ، وأزال عني المحنة ".
وقد عزاه السيوطي في "الجامع الكبير" (32301) ، والمتقي الهندي في "كنز العمال" (3966) ، إلى التنوخي في "الفرج بعد الشدة" ، كما أسلفنا .
وإسناده لا يصح ، فيه أكثر من علة :
الأولى : الإعضال ، فبين علي بن همام وعلي بن أبي طالب مفاوز ، والإسناد بينهما نسيه التنوخي أو شيخه أيوب .
الثانية : جهالة كل من أيوب بن العباس بن الحسن وشيخه علي بن همام .
فأما أيوب بن العباس بن الحسن فترجم له الصفدي في "الوافي بالوفيات" (3/349) وقال :" كان والده وزيراً للمكتفي، ثم للمقتدر. وروى أيوب عن أبي علي بن همام أثراً رواه عنه أبو علي التنوخي في كتاب الفرج بعد الشدة ". اهـ ، ومن هذا حاله فهو مجهول ، لا تقبل روايته .
وأما شيخه علي بن همام فلم أجد من ترجمه ، فهو مجهول أيضا .
وعلى كل فالإسناد معضل لا يصح ، والله أعلم .
وأما من جهة المعنى :
فإن قبول الاستغفار ، وحصول أثره ، لا يشترط له صيغة ، بل متى استغفر العبد مستحضرا ذنبه ، نادما على تفريطه ، فإن الله الغفور يقبل استغفاره ، ويوفيه وعده ، بأي صيغة كان الاستغفار ، وإذا تخلف الوعد دل على خلل في الاستغفار ، كأن يكون بلسانه لا بقلبه ، أو يكون العبد مصرا على ذنبه مع استغفاره بلسانه .
قال ابن حجر في "فتح الباري" (11/100) في شرحه لحديث سيد الاستغفار :" قال ابن أبي جمرة : مِنْ شُرُوطِ الِاسْتِغْفَارِ صِحَّةُ النِّيَّةِ وَالتَّوَجُّهُ وَالْأَدَبُ ، فَلَوْ أَنَّ أَحَدًا حَصَّلَ الشُّرُوطَ وَاسْتَغْفَرَ بِغَيْرِ هَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ ، وَاسْتَغْفَرَ آخَرُ بِهَذَا اللَّفْظِ الْوَارِدِ ، لَكِنْ أَخَلَّ بِالشُّرُوطِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ ؟ فَالْجَوَابُ أَنَّ الَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ الْمَذْكُورَ إِنَّمَا يَكُونُ سَيِّدَ الِاسْتِغْفَارِ إِذَا جَمَعَ الشُّرُوطَ الْمَذْكُورَة ". اهـ
وأما الاستغفار بهذه الصيغة، أحيانا ، من غير اعتقاد كونه سنة أو مأثورا عن الصحابة ، فلا شيء فيه .
وقد روى الدينوري في "المجالسة" (675) بإسناد حسن عن سفيان الثوري أنه قال :" سَمِعْتُ بَعْضَ الصَّالِحِينَ مِنْ أَصْحَابِنَا يَدْعُو فِي جَوْفِ اللَّيْلِ وَيَنْتَحِبُ:
اللهُمَّ إِنِّي أَسْتَغْفِرُكَ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ قَوِيَ عَلَيْهِ بَدَنِي بِعَافِيَتِكَ ، وَنَالَتْهُ يَدِي بِفَضْلِ نِعْمَتِكَ ، وَانْبَسَطْتُ إِلَيْهِ بسِعَةِ رِزْقِكَ ، وَاحْتَجَبْتُ فِيهِ عَنِ النَّاسِ بِسِتْرِكَ عَلَيَّ ، وَاتَّكَلْتُ فِيهِ عَلَى أَنَاتِكَ وَحِلْمِكَ ، وَعَوَّلْتُ فِيهِ عَلَى كَرِيمِ عَفْوِكَ ".
وأجل صيغ الاستغفار ، التي ينبغي على العبد حفظها ، والمداومة على استغفار به بها ، وهي "سيد الاستغفار" ، كما سماها نبي الله صلى الله عليه وسلم ؛ هي أخرجه البخاري (6306) من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال: " سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ أَنْ تَقُولَ: اللَّهُمَّ أَنْتَ رَبِّي لاَ إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ ، خَلَقْتَنِي وَأَنَا عَبْدُكَ ، وَأَنَا عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْتُ ، أَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْتُ ، أَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَيَّ ، وَأَبُوءُ لَكَ بِذَنْبِي فَاغْفِرْ لِي ، فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا أَنْتَ " قَالَ: وَمَنْ قَالَهَا مِنَ النَّهَارِ مُوقِنًا بِهَا، فَمَاتَ مِنْ يَوْمِهِ قَبْلَ أَنْ يُمْسِيَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ، وَمَنْ قَالَهَا مِنَ اللَّيْلِ وَهُوَ مُوقِنٌ بِهَا، فَمَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصْبِحَ، فَهُوَ مِنْ أَهْلِ الجَنَّةِ .
والله أعلم .
تعليق