الاثنين 24 جمادى الأولى 1446 - 25 نوفمبر 2024
العربية

حكم قبول العقود المشتلمة على شرط التحاكم للمحاكم الوضعية

278244

تاريخ النشر : 09-10-2017

المشاهدات : 12534

السؤال

ذكرتم في الفتوى رقم : (175930) أنه إذا كانت الرامج التي من شروطها التحاكم إلى المحاكم الوضعية عند النزاع برامج مجانية أو مشتراة ولكن لا تظهر الشروط إلا بعد الشراء, فلا يلزمه قراءتها ، ولا يضره الموافقة عليها ؛ لأنها لا تكون ملزمة حينئذ ، فأريد التفصيل في ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم في سبب عدم لزومها وجواز الموافقة عليها ، فبعض هذه البرامج - إن لم أقل أكثرها - تصرح شروطُها بأن المستخدم لها لا يملكها ، ولكن له رخصة استخدامها فقط ، فما الحكم في هذه الحالة؟ وذكرتم أيضا في نفس الفتوى أنه يجوز عند الحاجة إذا كانت الشروط عند العقد ـ وأفترض أن هذا يعني عقد البيع المعروف ـ ، فما وجه اشتراط الحاجة؟ وهل يعنى أنه لا يجوز عند عدمها ؟ وأرجو التفصيل في ذلك بالأدلة وأقوال أهل العلم . وهل التوقيع وإبرام العقد مع وجود هذا الشرط مظهر للرضا بالشرط ؟ أم يردّ على ذلك بأن هذا يعني أن عائشة أظهرتْ الرضا بشرط المعصية كما في حديث بريرة ، وهذا بعيد ، ولا يجوز في الأصل ، فدل على أن التوقيع ليس مظهرا الرضا بجميع شروط العقد ، فيقال : بأن التوقيع مظهر الرضا بأصل البيع فقط ، وبإمضاء العقد مع وجود الشروط المشترَطة ، وليس مظهر الرضا بالشروط نفسها. أرجو إفادتكم في هذا الموضوع الذي يتعلق بكثير من المعاملات المعاصرة .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

ما ذكرنا في الجواب المشار إليه من أن الشروط الباطلة إذا كانت لا تظهر إلا بعد الشراء، أنه لا يلزم قراءتها ، ولا يضر الموافقة عليها : وجهه ظاهر، وهي أنها لا تكون ملزمة للمشتري حينئذ؛ لأن الشرط الملزم ما كان مع العقد أو قبله بيسير، وأما ما كان بعد العقد فلا عبرة به؛ لأن العقد تم خاليا منه، إلا أن يكون في زمن خيار المجلس أو الشرط.

قال البهوتي في كشاف القناع (3/ 189): " (ويعتبر لترتب الحكم عليه) أي على الشرط (مقارنته للعقد ، قاله في الانتصار) . وقال في الفروع: يتوجه ، كنكاح [أي : فيصح الشرط قبل العقد]. ويأتي : أن زمن الخيارين كحال العقد" انتهى.

قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: " مسألة: هل المعتبر من الشروط في البيع ما كان في صلب العقد، أو ما بعد العقد، أو ما قبل العقد؟

المذهب: أن المعتبر ما كان في صلب العقد، أو في زمن الخيارين: خيار المجلس، وخيار الشرط.

مثال: بعتك هذه السيارة واشترطت أن أسافر عليها إلى مكة، فهذا محله في نفس العقد وهو صحيح.

مثال آخر: بعتك هذه السيارة، وبعد أن تم العقد بالإيجاب والقبول، قلت: أنا أشترط عليك أن أسافر بها إلى مكة يصح؛ لأنه في زمن الخيار؛ لأنك لو قلت: لا، قلتُ: فسخت الآن؛ لأن بيدي الخيار ما دمنا لم نتفرق فلنا أن نزيد الشرط.

مثال آخر: بعتك هذه السيارة ، ولي الخيار ثلاثة أيام، وفي اليوم الثاني جئت إليك، وقلت: أشترط أن أسافر بها إلى مكة يصح؛ لأنه في زمن الخيارين.

وأما ما كان قبل ذلك مما اتفق عليه قبل العقد، فالمذهب أنه غير معتبر.

مثاله: اتفقت أنا وأنت على أن أبيع عليك السيارة، واشترطت : أن أسافر عليها إلى مكة، وعند العقد لم نذكر هذا الشرط ، إما نسياناً وإما اعتماداً على ما تقدم، فهل يعتبر هذا أو لا؟

الجواب: لا يعتبر على المذهب.

والصحيح: أنه يعتبر لما يلي: ـ

أولاً: لعموم الحديث: المسلمون على شروطهم، وأنا لم أدخل معك في العقد إلا على هذا الأساس.

ثانياً: أنهم جوزوا في النكاح تقدم الشرط على العقد، فيقال: أي فرق بين هذا وهذا؟! وإذا كان النكاح يجوز فيه تقدم الشرط على العقد، فالبيع مثله، ولا فرق.

إذاً الشروط في البيع معتبرة ، سواء قارنت العقد، أو كان بعده في زمن الخيارين، أو كانت متفقاً عليها من قبل" انتهى من الشرح الممتع (8/ 224).

ثانيا:

إذا نص العقد على أن المستخدم لا يملك البرنامج وإنما له حق الاستخدام، فهذا عقد إجارة جائز، ويشترط فيه بيان المدة.

ثالثا:

التوقيع على الشرط لا يستلزم الرضا به، كما يدل عليه حديث عائشة رضي الله عنها، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لها في قصة بريرة : ( خُذِيهَا وَاشْتَرِطِي لَهُمْ الْوَلاءَ فَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ فَفَعَلَتْ عَائِشَةُ ثُمَّ قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّاسِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ أَمَّا بَعْدُ مَا بَالُ رِجَالٍ يَشْتَرِطُونَ شُرُوطًا لَيْسَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ مَا كَانَ مِنْ شَرْطٍ لَيْسَ فِي كِتَابِ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ وَإِنْ كَانَ مِائَةَ شَرْطٍ قَضَاءُ اللَّهِ أَحَقُّ وَشَرْطُ الله أَوْثَقُ وَإِنَّمَا الْوَلاءُ لِمَنْ أَعْتَقَ ) رواه البخاري (2168) ومسلم (1504).

فجوّز لها النبي صلى الله عليه وسلم أن توافق على الشرط الباطل الذي لن تلتزم به .

رابعا:

إذا كان الشرط الباطل كالتحاكم إلى المحاكم الوضعية عند النزاع، مقارنا للعقد، فقد سبق بيان أنه يجوز التوقيع عليه عند الضرورة أو الحاجة الماسة مع العزم على عدم ارتكاب مخالفة توجب المقاضاة إلى تلك المحاكم.

وإنما قيدنا المسألة بهذه القيود لأن التحاكم إلى القوانين الوضعية لا يجوز إلا عند الضرورة، فإذا وقع الإنسان على هذا الشرط وهو آمن من الوقوع في هذا التحاكم، فلا محذور غير الموافقة على الشرط، وقد قلنا إنه يمكن أن يستدل بحديث عائشة رضي الله عنها على هذه المسألة، لأن فيه جواز الموافقة الظاهرية على الشرط الباطل إذا كان المتعاقد لن يلتزم به.

وهذا يمكن في مسألتنا، كأن لا يكون المشتري في البلد الذي نُص على التحاكم إلى محاكمه، وكأن يعزم على عدم ارتكاب مخالفة تستدعيه للمحكمة، وأن يتنازل عن حقه إن احتاج الأمر للتحاكم.

وقد نقلنا كلام شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في بيان أن الحديث فيه إذن للمشتري أن يدخل في العقد مع الشرط الباطل، إذا كان البائع لا يبيع إلا به، وكان الشرط لا يضره، لأنه لن يُلزم به.

ومنه يؤخذ اشتراط الحاجة، أي أن يكون المشتري بحاجة لهذه البرامج، والبائع لا يبيعها إلا مع الشرط المحرم.

قال رحمه الله: " وقد أجاب طائفة بجواب ثالث ذكره أحمد وغيره ، وهو أن القوم كانوا قد علموا أن هذا الشرط منهي عنه ، فأقدموا على ذلك بعد نهي النبي صلى الله عليه وسلم ، فكان وجود اشتراطهم كعدمه ، وبين لعائشة أن اشتراطك لهم الولاء لا يضرك ، فليس هو أمرا بالشرط ؛ لكن إذنا للمشتري في اشتراطه إذا أبى البائع أن يبيع إلا به ، وإخبارا للمشتري أن هذا لا يضره ، ويجوز للإنسان أن يدخل في مثل ذلك .

فهو إذنٌ في الشراء مع اشتراط البائع ذلك، وإذنٌ في الدخول معهم في اشتراطه لعدم الضرر في ذلك، ونفس الحديث صريح في أن مثل هذا الشرط الفاسد لا يفسد العقد، وهذا هو الصواب. وهو قول ابن أبي ليلى وغيره، وهو مذهب أحمد في أظهر الروايتين عنه" انتهى من "مجموع الفتاوى" (29/ 338).

وقد أشكل هذا الحديث على جماعة من العلماء وقالوا كيف يأذن النبي صلى الله عليه وسلم في الموافقة على الشرط الفاسد، حتى أنكر بعضهم ثبوت هذه اللفظة، والصواب ما قدمناه عن شيخ الإسلام.

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب