الجمعة 21 جمادى الأولى 1446 - 22 نوفمبر 2024
العربية

شاب عامل محتار بين مساعدة والديه وبين الزواج

279370

تاريخ النشر : 16-10-2017

المشاهدات : 6740

السؤال

أنا شاب أبلغ من العمر27عاما ، أعمل بالخارج أعيش بين أبي وأمي ، ولدي أخت ، وأنا لست متزوجا ، وأحتاج للمال للزواج ، وفي نفس الوقت أريد أن أرسل ﻷهلي المال لمساعدتهم فضلا أريد إجابة .

الجواب

الحمد لله.

أولا:

قد حثت الشريعة على الزواج؛ ومن ذلك:

عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: قَالَ لَنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ ) رواه البخاري (5065) ومسلم (1400).

وقد ذهب جماهير أهل العلم إلى أن الزواج سنة مؤكدة لمن له استطاعة؛ إلا إذا خاف على نفسه الوقوع في الحرام؛ فإنه يجب في حقه الزواج.

قال ابن قدامة رحمه الله تعالى:

" وأجمع المسلمون على أن النكاح مشروع. واختلف أصحابنا في وجوبه؛ فالمشهور في المذهب أنه ليس بواجب، إلا أن يخاف أحد على نفسه الوقوع في محظور بتركه، فيلزمه إعفاف نفسه، وهذا قول عامة الفقهاء " انتهى. "المغني" (9 / 340).

ثانيا:

نفقة المسلم على والديه وإخوته، تجب إذا كان يملك من المال ما يزيد عن حاجته، وكان والداه وإخوته لا يجدون من المال ما يسدّ حاجتهم ، وليس عندهم القدرة على الكسب الذي يكفي مؤونتهم .

قال ابن المنذر رحمه الله تعالى:

" وأجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما، ولا مال، واجبة في مال الولد.

كذلك قال مالك، والثوري، والحسن بن صالح، والشافعي، والنعمان وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور " انتهى، من "الإشراف" (5 / 167).

عَنْ طَارِقٍ الْمُحَارِبِيِّ، قَالَ: قَدِمْنَا الْمَدِينَةَ فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَائِمٌ عَلَى الْمِنْبَرِ يَخْطُبُ النَّاسَ وَهُوَ يَقُولُ: ( يَدُ الْمُعْطِي الْعُلْيَا، وَابْدَأْ بِمَنْ تَعُولُ: أُمَّكَ، وَأَبَاكَ، وَأُخْتَكَ، وَأَخَاكَ، ثُمَّ أَدْنَاكَ، أَدْنَاكَ ) رواه النسائي (2532)، وصححه الألباني في "صحيح سنن النسائي" (2 / 205).

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" إذا كان موسرا ، وأبوه محتاجا : فعليه أن يعطيه تمام كفايته .

وكذلك إخوته إذا كانوا عاجزين عن الكسب: فعليه أن ينفق عليهم ، إذا كان قادرا على ذلك .

ولأبيه أن يأخذ من ماله ما يحتاجه بغير إذن الابن؛ وليس للابن منعه " انتهى. "مجموع الفتاوى" (14 / 102).

وقال شيخ الإسلام ابن تيميَّة رحمه الله أيضا : " عَلَى الْوَلَدِ الْمُوسِرِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى أَبِيهِ وَزَوْجَةِ أَبِيهِ ، وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ كَانَ عَاقًّا لِأَبِيهِ ، قَاطِعًا لِرَحِمِهِ ، مُسْتَحِقًّا لِعُقُوبَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ " . الفتاوى الكبرى (3/361) .

لكن إذا كانوا يملكون حاجتهم من المال، والنفقة عليهم هي مجرد زيادة في تحسين المعيشة ونحو هذا، ففي هذه  الحالة لا تجب على الولد نفقتهم.

ومثل ذلك إذا كان عندهم قدرة على الكسب اللائق بمثلهم ، بوظيفة ، أو مهنة لائقة بهم ، أو تجارة ، ونحو ذلك .

قال ابن حزم رحمه الله تعالى:

" واتفقوا على أنه لا يلزم أحدا أن ينفق على غني غير الزوجة " انتهى، من "مراتب الإجماع" (ص 80).

لكن في هذه الحالة تكون هذه المساعدة المالية نوعا من البرّ والصلة المندوب إليه.

ثالثا:

فالحاصل مما سبق؛ أن كلا من النفقتين، النفقة على الزواج والنفقة على الأقارب، هي حسنات يحث المسلم على فعلها .

لكن إذا تعارضت هذه الحسنات : فالقاعدة في هذا أن يوازن المسلم بينها ، هذه الحسنات فيقدم الأوكد منها.

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:

" الشريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها، وأنها ترجح خير الخيرين وشر الشرين، وتحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما، وتدفع أعظم المفسدتين باحتمال أدناهما ... " انتهى، من "مجموع الفتاوى" (20 / 48).

فعليك في هذه الحال أن تنظر إلى حاجتك إلى الزواج، فإن كنت تخاف حقيقة على نفسك الفواحش فهو في حقك واجب كما سبق بيانه في كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى.

ففي هذه الحالة زواجك مقدم على مساعدتك لأقاربك، لأن الواجب مقدم على المستحب، ودفع ضرر الفاحشة مقدم على جلب منفعة الهدية.

ثم إن زواجك فيه نوع بر بالوالدين، لأن من طبع الوالدين أن يدخل السرور في قلبيهما بزواج ولدهما.

وأما إذا كنت لا تخاف على نفسك الفاحشة، فالزواج في حقك مندوب ما دمت تملك الاستطاعة المالية، فهنا يتعارض مندوبان، فلا حرج عليك أن تقدم الزواج، فهو الأوكد؛ لأنه نفقة على النفس أنت في حاجة إليها، وهي مقدمة على النفقة على الغير.

عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ( ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا ) يَقُولُ: فَبَيْنَ يَدَيْكَ وَعَنْ يَمِينِكَ وَعَنْ شِمَالِكَ. رواه مسلم (997).

قال النووي رحمه الله تعالى:

" في هذا الحديث فوائد، منها؛ الابتداء في النفقة بالمذكور على هذا الترتيب، ومنها أن الحقوق والفضائل إذا تزاحمت قدم الأوكد فالأوكد " انتهى، من "شرح صحيح مسلم" (7 / 83) .

وقال الشيخ صالح الفوزان حفظه الله :

"لا شك أن الوالد له حق ، والبر به واجب ، وله أن يأخذ من مال ولده وراتبه ومهر ابنته وراتبها ما لا يضر بهما ولا يحتاجانه ؛ لقوله صلى الله عليه وسلم : (أَنْتَ وَمَالُكَ لأَبِيكَ) .

وليس للوالد أن يضر ولده ؛ بأن لا يترك معه شيئًا من المال لحاجته ، وإنما يأخذ ما زاد على ذلك إذا احتاج إليه" انتهى، من "المنتقى من فتاوى الفوزان" (55/1) .

لكن مع هذا؛ يحسن بك أن تتعاهد والديك وأختك بهدية بين الحين والآخر بما لا يؤثر على نفقة زواجك.

والذي يظهر لنا أن بإمكانك أن تجمع بين المصلحتين ، على وجه متقارب ، إن شاء الله ، فتنقص مما ترسله إلى والديك ، شيئا ، لا يضر بالنفقة التي يحتاجان إليها ، وتحقق لهما حد الكفاية ، أو تكمل لهما على ما عندهما من الدخل ، بحيث تتحقق كفايتهما على وجه مقبول ، ثم تقتصد أنت في نفقات زواجك إلى القدر الملائم المعقول .

واستعن بالله ولا تعجز ، واسأل الله من فضله ، أن يفتح لك أبواب الرزق المبارك الحلال ، ويكفيك ، ويعفك ، ويغنيك .

والله أعلم.

هل انتفعت بهذه الإجابة؟

المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب