الحمد لله.
أولا:
مقولة: " لعبة القدر"؛ هي في حقيقتها كلمة كفرية؛ لأن من المجمع عليه في دين الإسلام؛ أن الله هو الذي قدّر الأقدار كلها.
قال الله تعالى:
( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ) القمر /49.
قال ابن كثير رحمه الله تعالى:
" وقوله: ( إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ )، كقوله: ( وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا )، وكقوله: ( سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى ، الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى ، وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى ) أي: قدر قدرا، وهدى الخلائق إليه؛ ولهذا يستدل بهذه الآية الكريمة أئمة السنة على إثبات قدر الله السابق لخلقه، وهو علمه الأشياء قبل كونها وكتابته لها قبل برئها " انتهى. "تفسير ابن كثير" (7 / 482).
والله لا يقدّر شيئا إلا لحكمة؛ فهو الحكيم العليم؛ وقد نفى الله تعالى عن نفسه صفة اللعب.
قال الله تعالى:
( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ، لَوْ أَرَدْنَا أَنْ نَتَّخِذَ لَهْوًا لَاتَّخَذْنَاهُ مِنْ لَدُنَّا إِنْ كُنَّا فَاعِلِينَ ) الأنبياء /16 - 17.
وقال الله تعالى:
( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ ) ص /27.
وقال الله تعالى:
( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ ، مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ) الدخان /38 - 39.
ومن المعلوم أن الإيمان بقدر السابق ، وعلمه المحيط : هو من أركان الإيمان التي لا يصح لأحد إيمانه إلا بها .
ففي صحيح مسلم ( 8 ) عن ابن عمر رضي الله عنهما أنه بلغه أن بعض الناس ينكر القدر فقال : " إذا لقيت هؤلاء فأخبرهم أني براء منهم وأنهم برآء مني ، والذي يحلف به عبد الله بن عمر ( أي : يحلف بالله ) لو كان لأحدهم مثل أحد ذهبا ثم أنفقه ما قبله الله منه حتى يؤمن بالقدر" .
وفي صحيح مسلم (2653) عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : ( كَتَبَ اللَّهُ مَقَادِيرَ الْخَلائِقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ) .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّ أَوَّلَ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمَ فَقَالَ لَهُ : اكْتُبْ . قَالَ : رَبِّ ، وَمَاذَا أَكْتُبُ ؟ قَالَ : اكْتُبْ مَقَادِيرَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ) رواه أبو داود (4700) . وصححه الألباني في صحيح أبي داود .
وينظر جواب السؤال رقم (49004) ورقم (34732).
والقدر هو "فعل الله " جل جلاله ، وهو سبحانه منزه عن اللعب والعبث ، بل أفعاله كلها حكمة ، وعدل ، ورحمة ، لا يخرج عن ذلك في شيء من قدره وفعله سبحانه : ( مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ) هود/56
سئل الشيخ عبد العزيز بن باز ، رحمه الله :
" قد ورد في صحيفة محلية خبر جاء فيه: " .. البالغ من العمر 13 ربيعا مزدهرا برحيق الصبا ، كان على موعد مع الحزن والأسى ، ولعبة القدر العمياء.." . ولكن القدر المترصد لمنصور لم يحكم لعبته الأزلية.. إلخ ... فما حكم الشرع في مثل هذا الكلام ؟
فأجاب :
" المشروع للمسلم عند وقوع المصائب المؤلمة الصبر والاحتساب، وأن يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون قدر الله وما شاء فعل، وأن يتحمل الصبر ويحذر الجزع والأقوال المنكرة لقول الله سبحانه: ( وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ * أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم: ( احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز، فإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كذا لكان كذا وكذا، لكن قل قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ) خرجه الإمام مسلم في صحيحه.
وثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ( ما من عبد يصاب بمصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي واخلف لي خيرا منها، إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها ) .
ولا يجوز الجزع ، وإظهار السخط ، أو الكلام المنكر مثلما ذكر في السؤال (لعبة القدر العمياء)، وهكذا قوله: (ولكن القدر المترصد لمنصور لم يحكم لعبته الأزلية).
هذا الكلام وأشباهه : من المنكرات العظيمة ، بل من الكفر البواح ؛ لكونه اعتراضا على الله سبحانه ، وسبا لما سبق به علمه ، واستهزاء بذلك .
فعلى من قال ذلك أن يتوب إلى الله سبحانه توبة صادقة . " . انتهى ، من "مجموع فتاوى ابن باز" (5/414) .
وسئل الشيخ صالح آل الشيخ ، حفظه الله :
" هل يجوز أن نَصِفَ القدر بالظلم؟ " .
فأجاب :
" لا يجوز ؛ لأنَّ القدر فعل الله - عز وجل - ، وتقديره ؛ فلا يوصف بالظلم : ( وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا ) [الكهف:49]." انتهى. من "شرح الطحاوية" (739) .
ثانيا:
الحكم على قول أنه كفر لا يلزم منه تكفير قائله.
بل لا بد للحكم بتكفير شخص معيّن من توفر شروط التكفير وانتفاء موانعه.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى:
" وأصل ذلك أن المقالة التي هي كفر بالكتاب والسنة والإجماع : يقال : هي كفر ؛ قولا يطلق، كما دل على ذلك الدلائل الشرعية؛ فإن "الإيمان" من الأحكام المتلقاة عن الله ورسوله؛ ليس ذلك مما يحكم فيه الناس بظنونهم وأهوائهم.
ولا يجب أن يحكم في كل شخص قال ذلك بأنه كافر ، حتى يثبت في حقه شروط التكفير، وتنتفي موانعه، مثل من قال: إن الخمر أو الربا حلال؛ لقرب عهده بالإسلام؛ أو لنشوئه في بادية بعيدة، أو سمع كلاما أنكره ولم يعتقد أنه من القرآن ولا أنه من أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، كما كان بعض السلف ينكر أشياء حتى يثبت عنده أن النبي صلى الله عليه وسلم قالها...
فإن هؤلاء لا يكفرون حتى تقوم عليهم الحجة بالرسالة، كما قال الله تعالى: ( لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ )، وقد عفا الله لهذه الأمة عن الخطأ والنسيان " انتهى. "مجموع الفتاوى" (35 / 165 - 166).
وراجعي للأهمية الفتوى رقم (85102).
ومن أهم شروط تكفير قائل هذه الكلمة القبيحة، أن يكون قائلها عالما بقبحها، متعمدا لهذا المعنى القبيح.
قال ابن عبد البر:
" قالوا: وإنما الكافر من عاند الحق، لا من جهله؛ وهذا قول المتقدمين من العلماء ومن سلك سبيلهم من المتأخرين " انتهى. من "التمهيد" (18 / 42).
والملاحظ أن كثير من العوام يقولون مثل هذا الكلام وهم غير منتبهين لفساد معناه؛ فالبعض يظن أنه مجرد تعبير لبيان تداول الخير والشر، والفقر والغنى، والشقاء والسعادة، ولا يخطر على باله أن فيه إساءة إلى الله تعالى، وأنه مخالف لنصوص الوحي.
فالحاصل؛ أن كثيرا من عوام المسلمين يقول مثل هذه المقولة عن جهل وعدم تفحص لمعناها، ولا يقولها معاندة لنصوص الشرع.
فلذا يجب على المسلم أن ينصح غيره ممن يستعمل مثل هذه المقولة وأن يبين له خطورتها الشرعية.
ثالثا:
مشاهدة مثل هذا المسلسل، من الأمور المنهي عنها لاحتوائه على منكرات عدة.
وقد سبق في الموقع بيان حكم مشاهدة مثل هذه المسلسلات؛ كما في الفتوى رقم (118513) ورقم (125535).
والله أعلم.
تعليق