الحمد لله.
أولا:
يجوز الشراء عبر الإنترنت، إذا كانت السلعة تنضبط بالصفة، ووصفت بالفعل وصفا يزيل الجهالة؛ لأن شرط صحة البيع: العلم بالمبيع، وذلك بالرؤية أو بالصفة.
قال في "الروض المربع"، ص309:
" (وَ) الشرطُ السادسُ: (أَنْ يَكُونَ) المبيعُ (مَعْلُوماً) عندَ المتعاقِدَيْن؛ لأنَّ جهالةَ المبيعِ غرَرٌ.
ومعرفةُ المبيعِ: إما (بِرُؤيَةٍ) له، أو لبعضِه الدَّالِ عليه، مقارِنةٍ، أو متقدِمةٍ بزمنٍ لا يَتغيرُ فيه المبيعُ ظاهِراً.
ويُلحقُ بذلك: ما عُرف بلمسِه أو شمِّه أو ذوقِه.
(أَوْ صِفَةٍ) تَكفي في السَّلَمِ، فتقومُ مَقامَ الرؤيةِ في بيعِ ما يجوزُ السَّلَمُ فيه خاصةً." انتهى.
وإذا تم البيع بالصفة، ثم وجد المشتري السلعة على غير ما وصفت له، فله الفسخ.
قال في "منار السبيل" (1/ 309): "(إما بالوصف) بما يكفي في السلم، فيما يجوز السلم فيه خاصة، فيصح البيع به، ثم إن وجده متغيراً فله الفسخ" انتهى.
وقد لا يتم البيع على الإنترنت، وإنما يتم عند وصول السلعة للراغب، فإن شاء اشتراها، وإن شاء لم يشترها. وهذا واضح.
ثانيا:
ما دام البائع هو الذي استأجر المندوب، واتفق معه على التوصيل: فهو الذي تلزمه أجرته، إلا أن يصرح للمشتري أن الأجرة تلزمه، على كل حال، أو أنه يدفع أجرة مندوب التوصيل، بدلا عنه.
وإذا قدر أن أجرة التوصيل، مستقلة عن ثمن المبيع، وأن البائع قد استأجر المندوب، بالوكالة عن المشتري، لا بالأصالة عن نفسه: فإن أجرة المندوب هنا ليست مستقلة عن عقد البيع استقلالا تاما، وليس تصرف البائع هنا بمقتضى وكالة محضة عن المشتري، بل له مصلحة في توصيل سلعته لطالبها، كما للمشتري مصلحة أيضا، ولهذا يتعهد كثير من البائعين بالتوصيل مجانا، دون زيادة في ثمن السلعة، ومعناه: أنه هو الذي يتحمل أجرة مندوب التوصيل.
وإذا احتمل الأمر أن يتحمل كل منهما الأجرة، ولم ينتفع المشتري من الصفقة بشيء، لفوات مقصوده من السلعة، ولم يتعهد للبائع بتحمل الأجرة، على كل حال: فلا يظهر أن يضمنها هنا، فإن أقصى ما يضمنه فيه أن يكون عقد الإجارة مع المندوب، تابعا للشراء؛ فإذا فات الأصل، فات التابع.
ويتأكد ذلك، في صورة السؤال، إذا أرسل البائع سلعة على غير الصفة المطلوبة، فيظهر منه التغرير بالمشتري، والغش له؛ فكان ضمان فعله عليه، وهذا ظاهر، إن شاء الله.
قال البهوتي، رحمه الله: " (وَإِذَا ظَهَرَ كَذِبُ الْمُدَّعِي فِي دَعْوَاهُ بِمَا يُؤْذِي بِهِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ عُزِّرَ لِكَذِبِهِ وَأَذَاهُ) لِلْمُدَّعَى عَلَيْه.
قُلْتُ: وَيَلْزَمهُ مَا غَرِمَهُ بِسَبَبِهِ ظُلْمًا لِتَسَبُّبِهِ فِي غُرْمِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ الْحِجْرِ." انتهى، من "كشاف القناع (6/128)".
والله أعلم.
تعليق