الحمد لله.
أولا:
"الاختراق هو القدرة على الوصول لهدف معين بطريقة غير مشروعة عن طريق ثغرات في نظام الحماية الخاص بالهدف ، وبطبيعة الحال هي سمة سيئة يتسم بها المخترق ، لقدرته على دخول أجهزة الاخرين عنوة وبدون رغبة منهم ، وحتى دون علم منهم ، بغض النظر عن الاضرار الجسيمة التي قد يحدثها سواء بأجهزتهم الشخصية ، أو بنفسياتهم عند سحب ملفات وصور تخصهم" انتهى من "كتاب الاختراق" (ص1) .
ثانيا: فتح كاميرات هواتف الآخرين ، والدخول إليها عن طريق الاختراق ، أو ما يسمى بالهاكر من صور التجسس المحرم.
قال تعالى : يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ الحجرات /12 .
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في "تفسير سورة الحجرات" (ص 50) :
" (ولا تجسسوا) التجسس طلب المعايب من الغير، أي أن الإنسان ينظر ويتصنت ويتسمع لعله يسمع شرًّا من أخيه، أو لعله ينظر سوءاً من أخيه، والذي ينبغي للإنسان أن يعرض عن معايب الناس، وأن لا يحرص على الاطلاع عليها " انتهى .
وعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: " اطَّلَعَ رَجُلٌ مِنْ جُحْرٍ فِي حُجَرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَمَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِدْرًى يَحُكُّ بِهِ رَأْسَهُ، فَقَالَ: لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكَ تَنْظُرُ، لَطَعَنْتُ بِهِ فِي عَيْنِكَ، إِنَّمَا جُعِلَ الِاسْتِئْذَانُ مِنْ أَجْلِ البَصَرِ رواه البخاري (6241) .
قال الشيخ حمزة محمد قاسم في "منار القاري شرح مختصر صحيح البخاري" (5/259) :
" بينما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - في حجرته، وبيده عود يحك به رأسه، إذا برجل ينظر من ثقب الباب، فغضب - صلى الله عليه وسلم - وقال: " لو علمت أنك تنظر إلى داخل بيتي لطعنت بهذا العود في عينك، ثم قال - صلى الله عليه وسلم -: " إنما جعل الاستئذان من أجل البصر " .
والمعنى: إنما شرع الله الاستئذان لئلا ينظر المسلم إلى ما لا يحل له النظر إليه ، أو ينظر إلى ما يكره صاحب المنزل أن يطلع عليه " انتهى .
ثالثا :
لا يجب عليكِ لبس النقاب أمام المحارم والنساء، ولو في وجود هذه الكاميرات ، فظنكِ بأن المخترقين يصلون الى هواتف من حولكِ ، ومن ثم ينظرون إليك احتمال ضعيف لا يلتفت إليه .
قال شيخ الاسلام ابن تيمية رحمه الله في "مجموع الفتاوى" (21/56) :
" كُلُّ احْتِمَالٍ لَا يَسْتَنِدُ إلَى أَمَارَةٍ شَرْعِيَّةٍ لَمْ يُلْتَفَتْ إلَيْهِ " انتهى .
والأصل أن تبنى الأحكام على العلم ، فإن تعذر العلم نأخذ بالظن، وبقى الشك على أصل الإلغاء لا يعمل به .
قال القرافي في "الذخيرة" (1/177) :
" قَاعِدَةٌ : الْأَصْلُ أَلَّا تُبْنَى الْأَحْكَامُ إِلَّا عَلَى الْعِلْمِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ علم . لَكِنْ دَعَتِ الضَّرُورَةُ لِلْعَمَلِ بِالظَّنِّ، لِتَعَذُّرِ الْعِلْمِ فِي أَكْثَرِ الصُّوَرِ : فَتَثْبُتُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ لِنُدْرَةِ خَطَئِهِ وَغَلَبَةِ إِصَابَتِهِ وَالْغَالِبُ لَا يُتْرَكُ لِلنَّادِرِ .
وَبَقِيَ الشَّكُّ غَيْرَ مُعْتَبَرٍ إِجْمَاعًا " انتهى .
والحاصل :
أن الأصل والغالب على أحوال الناس : أن تسلم "الكاميرات" من الاختراق ، لمجرد النظر ، واستكشاف الموجودين في المكان ، فهذا احتمال ضعيف ، لا يمكن أن يبنى عليه مثل هذا الحكم ، بلزوم الحجاب دائما ، إذا كان في المكان هاتف به كاميرا ، مع ما في ذلك الإلزام من التضييق على الناس ، والإشقاق عليهم بأمر موهوم .
وقد مر معنا في الحديث المذكور في الجواب : أن رجلا كان يطلع على أهل البيت من شق في الجدار ، ومثل ذلك جار موجود في معتاد أحوال الناس ، بل هو أكثر من مجرد اختراق الكاميرا ، والنظر على من في محيط الهاتف ؛ ومع ذلك : لم يطلب الشارع من الناس أن يحتاطوا في بيوتهم بلبس الحجاب ، منعا لاطلاع المتجسسين عليهم ، ولا يخفى ما في ذلك من العنت والحرج على الناس ، وهو مرفوع من الشريعة .
والله أعلم .
تعليق