الحمد لله.
أولا:
يجوز للرجل أن يفوض إلى زوجته طلاق نفسها، بأن يقول لها: طلقي نفسك إن شئت، أو أمرك بيدك، أو اختاري نفسك .
وإذا حصل ذلك ، فإنها تملك بهذا التفويض أن تطلق نفسها، ما دامت في المجلس الذي فوضها فيه ، باتفاق العلماء .
وذهب الحنابلة إلى أنها تملك أن تطلق نفسها بعد المجلس أيضا .
قال ابن قدامة رحمه الله في "المغني" (7/ 308):
" وجملة ذلك أن الزوج مخير بين أن يطلق بنفسه ، وبين أن يوكل فيه ، وبين أن يفوضه إلى المرأة ، ويجعله إلى اختيارها ; بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم خير نساءه ، فاخترنه.
ومتى جعل أمر امرأته بيدها ، فهو بيدها أبدا ، لا يتقيد ذلك بالمجلس. روي ذلك عن علي رضي الله عنه. وبه قال الحكم ، وأبو ثور ، وابن المنذر.
وقال مالك ، والشافعي ، وأصحاب الرأي: هو مقصور على المجلس ، ولا طلاق لها بعد مفارقته ; لأنه تخيير لها ، فكان مقصورا على المجلس ، كقوله: اختاري.
ولنا : قول علي رضي الله عنه في رجل جعل أمر امرأته بيدها ، قال: هو لها حتى تنكُل.
ولا نعرف له في الصحابة مخالفا ، فيكون إجماعا.
ولأنه نوع توكيل في الطلاق ، فكان على التراخي ، كما لو جعله لأجنبي " انتهى.
ثانيا:
إذا فُوضت الزوجة في الطلاق فإنها تملك طلقة واحدة رجعية، إلا إن جعل لها الزوج
أكثر من طلقة ؛ فإنها تلمك ما فوضها الزوج فيه من ذلك .
وهذا إذا كان التفويض بلفظ الاختيار بأن قال: اختاري نفسك.
أما إن قال: أمرك بيدك : فإنها تملك أن تطلق نفسها ثلاثا.
قال الزركشي رحمه الله: "(وليس لها أن تختار أكثر من واحدة إلا أن يجعل إليها أكثر
من ذلك).
الشرح : إذا خيرها وأطلق، فليس لها أن تختار أكثر من واحدة.
قال أحمد: هذا قول ابن عمر وابن مسعود، وزيد بن ثابت، وعمر وعائشة - رَضِيَ اللَّهُ
عَنْهُمْ -. ولأن: اختاري: تفويض مطلق، فيتناول أقل ما يقع عليه الاسم، وما زاد
عليه فهو مشكوك فيه، فلا يثبت مع الشك .
وهذا بخلاف: أمرك بيدك. فإنه للعموم كما تقدم.
وإن قيد ذلك [أي التخيير] بواحدة ، أو أكثر : اتُّبع .
ويكون في الواحدة تنصيص على مقتضى الإطلاق، وفي الثلاث والاثنتين من باب إطلاق
المطلق، وإرادة العام مجازا، والله أعلم" انتهى من شرح الزركشي على الخرقي (5/
414).
ثالثا:
طلاق الثلاث طلاق بدعي محرم، وعليه فلا يجوز للزوج أن يفوض امرأته فيه.
وإذا طلقت نفسها ثلاثا فإنه لا يقع إلا واحدة، لأن الراجح أن طلاق الثلاث يقع
واحدة.
وينظر السؤال رقم (36580) .
رابعا:
تفويض الطلاق يَبْطُل بالجماع، وبردّ الزوجة للتفويض، وبرجوع الزوج فيه.
قال في زاد المستقنع: "فَإِنْ رَدَّتْ ، أَوْ وَطِئَ ، أَوْ طَلَّقَ ،
أَوْ فَسَخَ : بَطَلَ خِيَارُهَا".
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في شرحه: "إن قال: أمرك بيدك، أو
اختاري نفسك، فقالت: لا أريد ذلك، فما تملك الطلاق، كما لو قلت لشخص: خذ هذا الشيء
بعه، فقال: لا، ما أنا ببائعه، ثم بعد ذلك أخذه وباعه : فلا يجوز، فما دام رد
انقطعت الوكالة.
وكذلك : لو وطئها ، أو طلق ، أو فسخ كما سبق : فإنه يبطل اختيارها" انتهى من الشرح
الممتع (13/ 87).
ومثال فسخ الزوج للتفويض: أن يقول: رجعت عن قولي: أمرك بيدك.
وينبغي السعي في الصلح ، وإزالة أسباب الخلاف، وعدم الاستجابة لرغبة
الزوجة في الطلاق، فإن المرأة سريعة الانفعال والتأثر .
ولعله إذا أزيلت أسباب المشاكل، أحبّت زوجها، وندمت على تسرعها.
والله أعلم.
تعليق